بوركينافاسو "بلد الرجال الشرفاء" الذي أنجب "شيغيفارا إفريقيا"، يسيطر عليه اللبنانيون ويعيش عالة على كوت ديفوار

لذا تنقلكم "الهداف الدولي" في رحلة لاكتشاف بوركينافاسو، ماضيها وحاضرها، سياستها واقتصادها، وصولا إلى منتخب "الخيول" وكل ما يرتبط به..

بدأت مملكة إسلامية والاستعمار الفرنسي نصّرها

يشهد التاريخ أن الدولة بمفهومها الحقيقي بدأت في بوركينافاسو عبر مملكتين إسلاميين، الأولى هي مملكة "ملي" التي خضعت فيما بعد لمملكة "صنفي" الإسلامية، لكن عقب حل المملكتين تكونت مملكة "فولتا" واتخذت من مدينة واغادوغو عاصمة لها. وخضعت فولتا للاستعمار الفرنسي سنة 1896 م لما وقع ملكها معاهدة انضم بموجبها لمستعمرة السنغال العليا، قبل أن تصبح مستعمرة منفردة بقيادات منتدبة وعرفت باسم فولتا العليا، وقد قامت عدة ثورات إسلامية في فولتا العليا من أجل نيل استقلالهم، علما أن عدة مجموعات نالت حكما مستقلا ووزعت أرضهم على كوت ديفوار، مالي والنيجر، وفي سنة 1947 م استعادت فولتا العليا وحدة أرضها في مستعمرة واحدة، ثم نالت استقلالها في سنة 1960 م لكنها بقيت تتبع فرنسا في كل شيء حتى أن البلد الإسلامي تحول إلى نصراني رغم الغالبية المسلمة.

ثلاث انقلابات عسكرية وخيانة جاءت بـ "بلد الرجال الشرفاء"

عقب نيل بوركينافاسو استقلالها رسميا من فرنسا سنة 1960، تسلم موريس يامبوغو رئاسة أول جمهورية حملت اسم فولتا العليا، لكن خلافات بين أعراق المجتمع وتحديدا قبيلتي موسى وسامو كلفت الحكومة الإطاحة بها سنة 1966 عقب انقلاب عسكري قام به الكولونيل أبوبكر سانغو، وقد تواصلت الانقلابات في فولتا، حيث قام الطبيب جان باتيست يدراوغو والنقيب توماس سانكارا سنة 1982 بقيادة عصيان عسكري أعاد الحكم لعرق "الموسى" الذي ينتمي إليه غالبية البوركينابيين، علما أن سانكارا الذي يسمى بـ "شيغيفارا" إفريقيا انقلب مجددا على رفيق دربه يدراوغو (كان رئيس الدولة) وقام سنة 1984 بإعلان تغيير اسم فولتا العليا إلى "بوركينافاسو" والتي تعني "بلد الرجال الشرفاء" حسب لغة إفريقية محلية. يذكر أن بوركينا عرفت انقلابا عسكريا رابعا جاء بـ بليز كومباوري رئيس البلاد الحالي لسدة الحكم.

80% أميون، ثلث السكان تحت خط الفقر وربعهم مهاجرون

ما أسفرت عنه الثورات والانقالابات في بوركينافاسو لا يختلف تماما عن باقي بلدان القارة السمراء ممن تعيش واقعا أليما ومشاكل لا تعد ولا تحصى مع الفقر المدقع والأمية المتفشية، إذ أكدت منظمة اليونيسكو أن أكثر من 80 بالمئة من الشعب البوركينابي لا يستطيعون الكتابة أو القراءة، في وقت أكد نفس المصدر أن حوالي ثلث سكان بوركينافاسو يعيشون تحت خط الفقر، مع الإشارة أيضا إلى أن حوالي 5 ملايين بوركينابي (في وقت يعيش 16 مليون في بوركينافاسو) هاجروا من بلادهم صوب الخارج، 3 ملايين منهم لم يجدوا سوى كوت ديفوار للجوء إليها من أجل طلب الرزق.

شعب طيب، شريف والإسلام سلاح الشعب أمام الفقر

رغم أن التاريخ يعتبر بوركينافاسو أو "بلد الرجال الشرفاء" اسما على غير مسمى بما أن الإنقالابات والدسائس هي التي شكلت الدولة الحالية، إلا أن السمة المعروفة على البوركينابيين أنهم من بين أطيب شعوب القارة السمراء وأكثرهم تمسكا بالمبادئ والقيم، فرغم الفقر والأمية المتفشيان في المجتمع البوركينابي، إلا أن نسب الجريمة والسرقات تسجل أقل معدلاتها الممكنة في واغادوغو وكبريات مدن البلاد، حتى أن البعض صنفها في نفس المستوى تقريبا مع بلدان تقع في الشطر الشمالي من المعمورة وتعرف أمنا وأمانا كبيرين لا لشيء سوى بسبب قوة رجال القانون، بينما طيبة وأخلاق جل البوركينابيين مستمدة من الدين الإسلامي الذي وصل البلاد سنة 900 هجرية، أي قبل 5 قرون تقريبا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللبنانيون ... أسياد الاقتصاد البوركينابي

معلوم أن العرب وتحديدا اللبنانيون اختاروا خلال القرنين الماضيين اللجوء إلى القارة السمراء من أجل إنشاء تجارتهم واستثمار ألموالهم خاصة وأن البيئة خصبة هناك لإنشاء مؤسسات صناعية ومالية لا تجد أبدا من ينافسهم على الصعيد المحلي، والوضع هو كذلك في بوركينافاسو التي يوصف فيها اللبنانيون بأسياد المال والأعمال دون منازع، علما أن تجارتهم في واغادوغو أنشأت بفضل سيطرتهم قبل ذلك على السوق المالي والصناعي في كوت ديفوار التي تعتبر المركز الرئيسي لمال اللبنانيين في إفريقيا.

60 % من المؤسسات المالية تعود إليهم

كشفت إحدى الإحصائيات مؤخرا أن 60 بالمئة من المؤسسات التجارية والصناعية المشتغلة في بوركينافاسو ترجع إلى مستثمرين لبنانيين، إذ يسيطرون على مختلف مجالات الحياة في واغادوغو، وقالت دراسات أنشأتها مكاتب متخصصة في أوروبا أن اللبنانيين يأتون في المقام الثاني بعد الحكومة المنتخبة في بوركينافاسو، بل يمكن وصفهم بصناع القرار الحقيقيين خاصة وأنهم يتحكمون بوتر حياة الدولة هناك، وقد كانت آخر قفزات اللبنانيين هي تمكن أحدهم من الوصول إلى منصب مستشار الرئيس بليز كومباوري بل والمتدخل في جل القرارات التي يتخذها حتى الحساسة منها.

غالبيتهم مسيحيون والبوركينابيون عبيد لديهم

الميزة التي تطبع اللبنانيين أصحاب النفوذ الكبير في بوركينافاسو أن غالبيتهم من مسيحيي جنوب لبنان، حيث جاء تحولهم إلى إفريقيا عبر فرنسا التي اكتشفوا فيها أن المستقبل لمن بإمكانه الصبر على إنشاء تجارته في بلدان إفريقية تعاني تخلفا شديدا لا يمكن وصفه، ومن جانبها كشفت بعض التقارير اللبنانية قبل فترة أن أفارقة غرب القارة السمراء يتقدمهم البوركينابيون يشعرون بامتعاض شديد من تنامي الهيمنة اللبنانية على واقعهم الاقتصادي والمالي، فالشعب وحتى قيادات الدولية باتوا بمثابة العبيد بين يدي المتمسكين بوتر الاقتصاد.

ميناء أبيدجان يتحكم في حياة البوركينابيين

ويقتات غالبية البوركينابيين من الزراعة، حيث تعد البلاد ثاني مصدر للقطن في القارة السمراء بعد مصر، كما أن زراعة الذرة والفواكه الاستوائية تدر بعض الأموال على المواطنين والبلاد، وكشفت إحدى الدراسات أن 80 بالمئة من العمال في بوركينافاسو يشتغلون كمزارعين، بينما تتوزع باقي النسبة بين الخدمات والصناعة. من جهة أخرى، توصف كوت ديفوار بالشريان المتحكم بأي صادرات أو واردات بالنسبة لبوركينافاسو، فكون الأخير لا تمتلك واجهة بحرية، تضطر للاعتماد بشكل كامل على ميناء أبيدجان لتسيير اقتصادها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الرحمن السميط حارب الفاتيكان في بوركينافاسو

الحديث عن الإسلام في بوركينافاسو لن يمر حتما دون ذكر اسم الكويتي عبد الرحمن السميط، أو من يطلق عليه لقب "رجل يزن أمة"، فصاحب الإنجازات التاريخية في مجال الدعوة بالقارة السمراء تمكن من محاربة الفاتيكان التي كلفت جمعيات تنصير عديدة بضرورة ضرب الغالبية المسلمة في بوركينافاسو والتي تشكل 60 بالمئة من إجمالي عدد السكان مقابل أقل من 20 بالمئة من المسيحيين (النسبة المتبقية تعود إلى ديانات إفريقية ووثنية)، إذ تمكنت جمعية السميط للدعوة الإسلامية من بناء 44 مسجدا في بوركينافاسو اعتمادا على إعانات خارجية، كما تكفلت بالعديد من المشاريع الخاصة بالتعليم، حفر الآبار ومعالجة الأطفال المرضى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شيغيفارا إفريقيا بوركينابي!

إذا بحثت عن اسم أبرز شخصية بوركينابية في التاريخ، فالأمر لن يطول بك قبل التوقف أمام اسم العقيد توماس سانكارا، فهذا القائد الثائر صنع لنفسه مجدا كبيرا في القارة السمراء والعالم أجمع لما برز من خلال دعمه الشديد لثورات شعوب إفريقيا على مستعمريها وإطلاقه شعارات لازالت تردد حتى الآن. سانكارا الذي تبنى الفكر الشيوعي تمكن من رئاسة بوركينافاسو لـ 3 سنوات فقط بداية من 1984، قبل أن يصطدم بانقلاب عسكري يشبه الذي قام به هو شخصيا من أجل الوصول إلى سدة الحكم، ولو أن المؤرخين يصرون على أن سانكارا كان صاحب حق في انقلابه. هذا ووجبت الإشارة إلى أن سانكارا كان على وفاق شديد مع القيادات الحاكمة في الجزائر حتى قبل فترته الرئيسية، إذ كان يرى في الثورة الجزائرية مثالا يجب الإقتداء به.

الرئيس الحالي للبلاد قتله

من غرائب "بلد الرجال الشرفاء" وهي الترجمة الحرفية لـ بوركينافاسو أن 4 إنقلابات عسكرية قامت فيه، والأغرب أن أحدها كان ضد "شيغيفارا إفريقيا"، حيث قضى سانكارا نحبه سنة 1987 على يد بعض القياديين في القوات المسلحة من بينهم بليز كومباوري رئيس البلاد الحالي، وقد قام هذا الأخير بغسيل يديه من دماء سانكارا عبر إنشاء حزب سياسي وإعلان دستور للبلاد مطابق للدستور في فرنسا، لكنه عدل فيه بعد ذلك ليتحول إلى رئيس مدى الحياة لـ بوركينافاسو (انتخب 4 مرات سابقة آخرها في 2010).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البطاقة الجغرافية والسياسية:

جمهورية بوركينافاسو

العاصمة: واغادوغو

اللغة: الفرنسية (لغة رسمية). مور، ديولا، الفالفالد (لغات محلية معترف بها)

الاستقلال: 5 أوت 1960 (عن فرنسا)

المساحة: 274,200 كم2

عدد السكان: 16 مليون و200 ألف نسمة (إحصائيات 2010).

العملة: الفرنك الإفريقي

الناتج المحلي الخام: 19.9 مليار دولار (سنة 2010)

رئيس: بليز كومباوري

رئيس الوزراء: لوك أدولف تياو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علاقات اقتصادية، سياسية، رياضية وإستراتيجية متينة بين البلدين

بوركينافاسو تعتبر الجزائر أخاها الأكبر ومغتربونا "يفيدون ويستفيدون"

توصف بوركينافاسو بالدولة الإفريقية شديدة القرب من الجزائر منذ إنشائها، فالعلاقات بين البلدين تتسم بالمتانة الشديدة كما أن الرئاسة البوركينابية سواء الحالية أو السابقة كثيرا ما وصفت الدولي الجزائرية بالأخ الأكبر والسند الإستراتيجي. وترجع آخر مشاورات من أعلى مستوى بين البلدين إلى فترة قريبة، لما عقد اجتماع بين خارجيتي البلدين، علما أن الرئيس بليز كومباوري سبق وتدخل للوساطة في حل الأزمة مالي على الحدود مع الجزائر لا لشيء سوى لخدمة المصالح الجزائرية، علما أن نفس الشخص كان أول قيادي في القارة السمراء يساند المصالحة الوطنية في الجزائر ويؤكد أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو "عرّاب" مرحلة السلم التي دخلت في فيها بلادنا عقب العشرية السوداء.

الشاذلي بن جديد كان سندهم الرئيسي أمام العالم

وقد قام المرحوم الشاذلي بن جديد رئيس الجزائر السابق بدور محوري في دعم الدولة البوركينابية التي رأت النور سنة 1984 لما غير اسمها من فولتا العليا إلى بوركينافاسو، إذ كانت الج%D