إن مجرد أن ينسب الله عز وجل أمراً إليه، فإنما هو دلالة على عظم شأنه، وعبادة الصوم كما يعلم الجميع ذات شأن عظيم، فهي العبادة الوحيدة التي لم يقم بها أحد لغير الله، رغم انتشار عبادة الأوثان وغيرها على مدار التاريخ. والصوم كذلك عبادة لا يمكنك أن ترائي به أمام الناس، وهو لهذا السبب عظيم الأجر، وقال عنه عز وجل: "فإنه لي وأنا أجزي به"، ذلك أن الصائم لا يصوم لأحد إلا الله، فهو بذلك يستحق جزاءً يتناسب مع هذا العمل.
من هنا ندرك ما للصوم من أثر كبير على تربية النفس وضبطه وتهذيبه، ومن يقوم بهذه العبادة بكل صدق ورغبة في ضبط نفسه سيجد وقد سارت جوارحه معه في الضبط والربط، فلا تجده يسب ويلعن ويذم ويستهزئ وغيرها من قبيح الأفعال والأقوال، وقد جاء في هذا الأمر توجيه رباني كما في الحديث أعلاه: "فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم"..
إنها أيام معدودات، وفرصة ثمينة لكسب أجور مضاعفة لا تتوفر لنا بقية أيام العام، إضافة إلى أنها فرصة لتربية النفس وتعويدها على أمور طيبة كما يفعل أي متدرب على أمر ما، باعتبار أن التكرار يثبت الأفكار، فمن يوجّه نفسه في رمضان على قراءة القرآن وفعل الخيرات كالصدقات مثلاً أو أداء الفروض في أوقاتها والسنن الرواتب وغيرها من أعمال صالحة، ويتدرب على ذلك شهراً كاملاً، فليس غريباً أن يجد نفسه بعد ذلك وقد سهلت عليه تلك العبادات وأصبحت جزءاً من حياته اليومية بقية العام.. فهل بعد هذا يترك عاقل رمضان يمضي دون أن يستثمره ويستفيد منه؟