غاب وزراء المالية السابقون، مراد مدلسي (رئيس المجلس الدستوري حاليا) ومحمد تيريباش وعبد الكريم جودي، عن الإدلاء بواجب الشهادة في قضية خليفة، دون تقديم أي مبررات للقاضي عنتر منور، الذي اضطر لتلاوة محاضر سماعهم عند قاضي التحقيق في سنة 2004، في موقف اهتزت له الجلسة العشرون من المحاكمة الجارية أطوارها بمجلس قضاء البليدة.
انتظر الحضور في قاعة محاكمة خليفة إلى الساعة الرابعة والنصف من مساء أمس، ليستمعوا إلى شهادة 3 وزراء مالية سابقين كانت مبرمجة، إلا أن القاضي فاجأ الجميع بالقول إن “السادة مراد مدلسي ومحمد تيريباش وعبد الكريم جودي لم يحضروا كما كان مقررا”، ثم باشر، دون أن يذكر أي أسباب لهذا الغياب، تلاوة محاضر قديمة لسماعهم في 2004، نأوا فيها بالمسؤولية عن أنفسهم فيما يخص خروقات التسيير في بنك خليفة التي انتهت بضياع آلاف المليارات من أموال الشعب وألقوا بها على عاتق بنك الجزائر.
وأمام ذلك، انتفض محامي دفاع عبد المومن خليفة، نصر الدين لزعر، متسائلا عن هذا الغياب إن كان بمحض إرادة المحكمة أو لأسباب أخرى. وقال إن أقوال الوزراء التي تليت من المحاضر تعتبر شهادات نفي بالنسبة له وطلب مناقشتها. كما هدد لزعر بالانسحاب من المحاكمة في حال غاب الشاهد علي تواتي، وهو نائب محافظ بنك الجزائر، معتبرا حضوره جوهريا.
يرد القاضي على التماس لزعر، دون أن يوضح سبب غياب الوزراء، لكنه يعتبر أن “الشهود الذين يتبوأون مناصب عليا يسمح لهم القانون بالغياب”. وأضاف بخصوص مدلسي أن أقواله في محاضر التحقيق تكفي لتشكل قناعة لأعضاء المحاكمة وليس له ما يضيفه. ثم أكد القاضي أن “المحاكمة ستكون عادلة وأن ما يتردد عن كونها “ممنهجة” لا يمكنه أن يكون”.
نادمون ومعترفون بأن نسب الفائدة أغرتنا
ومما ميز جلسة أمس، إجماع مديري مؤسسات عمومية، ممن لم يستفيدوا من أي امتيازات شخصية من خليفة، على أن المناخ العام في البنوك العمومية كان طاردا لرؤوس الأموال بسبب نسب الفوائد المنخفضة، في الوقت الذي كانت هذه النسب مرتفعة للغاية في بنك خليفة، فتوجهت إيداعات ضخمة نحوه. هذا الواقع التنافسي المختل خلق، حسب شهادات المديرين، ضغطا نفسيا عليهم، فكان يوصف من يبقي أمواله في بنك عمومي بـ«المسير السيئ”.
وفي خضم موجة بنك خلفية الجارفة في ذلك الوقت، تكلم النائب العام بلسان الإشادة بمدير المالية والمحاسبة في شركة سوناطراك، السيد مصطفاوي، الذي طلب لقاء وضعه إيداعات في بنك خليفة تزويده بالميزانيات ووضعية البنك تجاه الضرائب، وعندها لاحظ عدم جدية البنك وجنب المؤسسة الأولى في الجزائر الكارثة.
لكن “فطنة” المديرية العامة لسوناطراك لم تشمل فروعها من المؤسسات البترولية التي أودعت أموالها خاصة في وكالة بنك خليفة بحاسي مسعود، كما كان شأن مؤسسة خدمات الآبار التي تمتلك سوناطراك فيها حصة بـ51 بالمائة بالشراكة مع الأمريكان، إذ أوضح مديرها، محمد بغول، في شهادته، أنه أودع 15 مليار سنتيم لم يسترجع منها فلسا واحدا، رغم مطالبة الشركة باسترجاع أموالها سنة 2003 دون جدوى.
وروى الشاهد إيدير حسين، وهو رئيس مدير عام سابق للمؤسسة الوطنية للمنظفات ومواد الصيانة من 1998 إلى غاية 2006، أن الدافع الرئيسي لإيداع مؤسسته 10 ملايير سنتيم ببنك خليفة، كان نسبة الفائدة المرتفعة بأكثر من 9 بالمائة، في وقت شهدت نسب فائدة إيداعات المؤسسة في بنك عمومي تناقصا من 6 إلى 4 بالمائة، ما جعله يتخذ قرارا بسحب جزء من الأموال ووضعها في خليفة بنك. ومع تعاقب الشهود من هذا النوع، كان النائب العام يسأل عن شعور الندم إن كان يراودهم، فكانوا يردون بالإيجاب، لكنهم كانوا يحيلون إلى المناخ الذي كان سائدا في ذلك الوقت، والذي جعل من التعامل مع بنك خليفة موضة عامة لدى المؤسسات، يوصم من يرفض الانسياق وراءها بسوء التسيير.