فالطفل لدى ولادته يكن يتمتع بكل تلك الصفات الجميلة، ومع مرور السنين تتشكل شخصيته و تتبلور، فإما يحافظ على فطرته هذه أو يذهب به التيار إلى منحى آخر لا يشبه فطرته إطلاقاً، فيكذب و يغش و يسرق و يستهين بوجود الله تعالى فلا يعد يهابه أبدا.
الخوف من الله تعالى ليس بالشيء السيئ أو المخيف كما يتبادر لأذهان البعض ، على العكس تماماً ، الخوف من الله يعني أنك تستحضر وجوده معك في كل لحظة من لحظات يومك، الخوف من الله ليس كخوفك من أي شيء في الدنيا ، فنحن عندما نخاف من شيء نهرب منه قدر المستطاع ، بينما الخوف من الله يجعلنا نلجأ إليه أكثر و نتقرب إليه أكثر بالصلاة و الصيام و الأذكار و الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .. وبأفعال طيبةٍ كثيرةٍ قد تؤدي بنا إلى التقرب من الخالق عز وجل.
فالمؤمن يعرف بأنه لا ملجأ و لا مهرب منه سبحانه و تعالى إلا إليه ، فعندما أحب الله أقوم بالتقرب له و التعبد أكثر ، أخاف منه لحبي له ، لطمعي في مغفرته و دخول جنته، و لأبتعد عن النار و العذاب يوم الحساب، فالخوف نعمة من الله أودعها فينا لندرك أننا أخطأنا، ونتراجع عن الخطأ لخوفنا من العذاب ، فنتوب لله فيغفر لنا بإذنه.
قد نرى في الحياة أُناسٌ يخشون الله ، يُتمّون العبادات على أكمل وجه ، ولكن هنالك فجوة ما ، فنراهم يخافون الخلق أكثر من الله ، كموظف يخشى مديره ويخشى أن يقطع عليه رزقه ، وهو لا يدرك تماماً بأن الرزّاق هو الله ، وأنه لو اجتمعت الإنس و الجن على أن يؤذوا أحداً فلا يستطيعون ذلك إلا بأمرٍ من الله ، فلماذا أخشى العبد وأنسى الله ولا أخشاه هو ؟!
المنافق يأمن لمكر الله لا يخشى عذابه ، يعتدي على الناس ، يسرق ، ويأكل من مالٍ حرام ، ويعتقد بأنه من أهل الجنة ، بينما المؤمن يصلي و يساعد الآخرين يصدق في قوله ويبقى قلقاً خائفاً بأنه مقصرُ تجاه الله عز و جل، و هذا القلق و الخوف يدفعه ليتقرب لله أكثر فأكثر.
فلمن فقد شعور الخوف من الله ، عليه أن يراجع نفسه ، أن يعود لفطرته السليمة ، أن يدرك بأن الله هو الذي بيده مصيرك و حياتك و عملك و كل شيء ، فإذا تجاهلته ، عصيته ، تمردت على حدوده و تجاوزتها ، فكيف ستجد الفلاح في حياتك ، وكيف ستسعد و أنت لا تخشى الله؟!
الخوف منه سبحانه و تعالى ما هو إلا حبٌ مغلفٌ بخوفٍ و طمعٍ برحمة الله و دخول الجنة، الخوف هو وزاعٌ يأتي من نفس الإنسان ، ليرشده إلى الصواب و الخطأ ، فما عليك إلا أن تصغي لداخلك ولفطرتك.