قرارات العدالة لا تنفذ إذا كانت لصالح المواطنين ضد الإدارات العمومية والمستشفيات.. هي ظاهرة مرضية يعانيها الكثير من المواطنين الذين صدرت لصالحهم أحكام قضائية ولم تنفذ لسنوات طويلة، ليظل الجزائري البسيط يشتكي من "الحڤرة والبيروقراطية"، ويخوض رحلة ماراطونية بين أروقة المحاكم ومختلف الإدارات العمومية بحثا عمن يساعده في تنفيذ أحكام العدالة لاستعادة حقه..
لماذا لا تطبق أحكام العدالة إذا كانت القرارات لصالح المواطن، ولماذا تماطل الإدارات العمومية والمؤسسات في إدماج الموظفين وتعويضهم عن عمليات الطرد التعسفي، ولماذا ترفض المستشفيات تعويض ضحايا الأخطاء الطبية وتوقيف المتسببين في قتل الأرواح بالرغم من توفر الأحكام القضائية.. كلها أسئلة أتعبت المواطنين سنحاول الإجابة عليها.
صدرت أحكام قضائية لصالحهم ولم تنفذ
ضحايا الأخطاء الطبية ينتظرون التعويض منذ 20 سنة
قرارات بتوقيف وسجن أطباء وممرضين لم تنفذ..
كشف الأمين العام للمنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية محيي الدين أبو بكر عن معاناة مئات، بل آلاف المرضى من عدم تطبيق قرارات العدالة في تعويضهم ومعاقبة الأطباء والممرضين المسؤولين عن وفيات وأخطاء تسببت في تحويل حياة المرضى إلى جحيم.
وأكد المتحدث في تصريح للشروق أن المحاكم حكمت على عيادات خاصة ومستشفيات وأطباء بتعويض المرضى بمبالغ تتراوح بين 200 و400 مليون جراء تورطهم في أخطاء طبية مميتة، غير أن المرضى لم يستفيدوا من هذه التعويضات منذ سنوات طويلة تراوحت بين 05 و20 سنة، بسبب تماطل هذه المؤسسات الطبية في تطبيق قرارات العدالة، وغياب جهة رسمية تلزمها بالتنفيذ.
وأضاف أبو بكر أن المرضى هم بأمس الحاجة إلى التعويض بسبب حاجتهم للأموال لتأمين عمليات تصحيح هذه الأخطاء التي تبرمج عادة في العيادات والمستشفيات الأجنبية.
والغريب في الأمر حسب مصدرنا هو صدور أحكام ضد عدد كبير من الأطباء والممرضين والقابلات بتوقيفهم وسجنهم، غير أن هذه الأحكام لم تطبق لأسباب مجهولة.
وبالمقابل حسب محيي الدين فإن الأحكام إذا كانت ضد المرضى فإنها تطبق بسرعة البرق، وهو ما حدث للمواطن الذي اعتدى على طبيب في مستشفى مصطفى باشا، حيث تعرض لعقوبة عامين سجنا نافذا.
طرد عشوائي للموظفين.. ومسؤولون فوق القانون
المؤسسات العمومية تضرب قرارات العدالة عرض الحائط
اعتبر عضو المجلس الوطني لمستخدمي الإدارة العمومية (سناباب) عبد القادر فاطمي، أن بعض المؤسسات العمومية لا تُعير أحكام العدالة إعتبارا، "فتجدها تماطل في تنفيذ الأحكام المتعلقة بإرجاع موظف مفصول إلى منصب عمله أو تعويضه ماديا، متمسكة ببعض الثغرات القانونية في التنفيذ"، وحسبه العدالة الجزائرية تصدر يوميا آلاف الأحكام القضائية، كثير منها لا يٌنفذ على أرض الواقع بسبب مشكل التنفيذ، خاصة إذا تعلق الأمر بالوظيف العمومي، فبعض العمال المفصولين تحصلوا على أحكام قضائية منذ 6 سنوات كاملة ولايزالون يصارعون للعودة إلى مناصب عملهم، بسبب ثغرات في القانون الجزائي، كما أن المحضر القضائي المكلف قانونيا بتنفيذ الأحكام القضائية، كثير منهم يجد صعوبات في تنفيذ الحكم ضد مؤسسة عمومية، إذ ليس بإمكانه إحضار القوة العمومية لمدير مؤسسة عمومية، لإجباره على تنفيذ حكم معين. وبالتالي يبقى الحكم يراوح مكانه يذهب ضحيته العامل البسيط، وحسب فاطمي "أحيانا يتفاهم الكلّ لإبقاء الحكم مُعلقا...!".
صدرت منذ ثلاثة سنوات
ثغرة قانونية تتسبب في طرد مئات المعلمين من المدارس
تأسف رئيس الاتحادية الوطنية لقطاع التربية بلعموري لغليّظ، من حالات توقيف تحفظي تعرض لها بعض موظفي قطاع التربية لأسباب لا علاقة لها بتأدية المهنة كما جٌمّدت أجورهم، ورغم صدور قرار من المحكمة بإعادتهم إلى عملهم لم يتم إرجاعهم، يقول محدثنا "قرار العدالة من المفروض أن يكون سيدا لا يعلو عليه أي قرار آخر، ومع ذلك لازلنا نسمع عن حالات عدم تنفيذ الأحكام القضائية يروح ضحيتها الموظفون". وحسبه تسببت التعليمة الصادرة من الوظيف العمومي منذ 3 سنوات، القاضية بإيقاف كل موظف تحفظيا اذا كانت له قضايا مع العدالة، حتى ولو كانت شخصية متعلقة مثلا بطلاق أو أمر بسيط، وهي التعليمة التي تلجأ إليها غالبية مديريات التربية، نحن نعتبر هذا القرار خاطئ من أساسه، لأنه وكما يقال قانونا المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وحتى مصطلح الإدانة فيه أنواع.
المحضر القضائي حليم عشوش:
لا يمكن استعمال القوة العمومية ضد المؤسسات والمستشفيات
أكد حليم عشوش، محضر قضائي عدم استعمال القوة العمومية لتنفيذ الأحكام القضائية التي تصدر في حق بعض المؤسسات والإدارات، حيث قال إن الأحكام التي تصدر في المدني يتهرب المطالبون بتنفيذها في غالب الأحيان، عكس الصادرة في الجزائي، لأن المدعي لا يمكنه متابعة المدعى عليه قضائيا في حال رفض تطبيق الحكم القضائي، ولا يستطيع في هذه الحالة سوى تحرير محضر امتناع وإعادة رفع دعوى غرامة تهديدية في حق المدعى عليه، الذي لا يلزم بتنفيذه بالقوة، حيث نفى نفيا قاطعا دخوله السجن في حال امتنع عن دفع الغرامة المالية أو التعويض المادي مثلا، وفي إجابته عن سؤال الشروق حول ما إذا كان هنالك فراغ قانوني في هذا الجانب، قال "عشوش" إنه لا يعتبر كذلك، بل النظام في القضايا المدنية يسير وفق هذه المنهجية، لتتوقف القضية تلقائيا بما أن المدعي لا يستطيع الإستئناف في الحكم.
الشيخ بغدادي فيزازي:
عدم تنفيذ الأحكام القضائية تعطيل لمصالح المسلمين
استهل الشيخ بغدادي فيزازي، إمام مسجد بوهران، حديثه إلينا بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، حيث قال إنه يجب على المسلم أن يحترم كل العقود والأحكام التي تصدر في حقه، وأنه مادام قد صدر الحكم في حقه فإن أي تماطل فيه يعد تماطلا في إعطاء الحق لصاحبه، ناصحا بضرورة التعجيل في تنفيذ الحكم وعدم التأخير في تطبيقه، قائلا إنه أينما وجدت مصالح الناس فهنالك يوجد شرع المولى عز وجل، وأي تعطيل لمصالح الناس فهو تعطيل لمقاصد الشريعة الإسلامية، مؤكدا أن الله تعالى ورسوله الكريم "ص" أمرا بإيتاء كل ذي حق حقه، حيث قال تعالى في سورة النساء: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، مضيفا أنه يجب على المسلم مراعاة مصالح الغير قبل مصالحه. وعن حكم الشرع في مسألة رفض المؤسسات والإدارات تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، قال الشيخ إنه حرام ولا يجوز شرعا لأنه يعتبر انتهاكا لحقوق الغير.
المختص في القانون الأستاذ بهلولي يكشف:
لهذه الأسباب لا تنفذ الأحكام القضائية لصالح المواطن
أوضح أستاذ القانون والمحامي المعتمد لدى مجلس قضاء العاصمة، إبراهيم بهلولي، أن الأحكام القضائية التي لا تنفذ يكون فيها إشكال في التنفيذ، أي توجد استحالة مادية وقانونية. وهناك بعض الأحكام التي لا تنفذ بصفة مؤقتة لوجود إشكال قانوني أو مادي إلى غاية حل الإشكال. وهناك أحكام قضائية يتم تأجيل تنفيذها بموجب أمر قضائي يوقف لستة أشهر وفقا لقانون الإجراءات المدنية الجديد. وأضاف المتحدث أنه فيما يتعلق بالأحكام الاجتماعية ينفذ منها الشق المدني أي ما قضى به الحكم من تعويضات. وفي حالة عدم التنفيذ يتم رفع دعوى قضائية ثانية بالامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية. واستطرد المختص أنه في حالة رفض مؤسسة مثلا إدراج موظف ما في وظيفته الأولى يرفع دعوى تعويض بعدم الإدراج أو ينفذ الحكم بالغرامة التهديدية كطريقة لإكراه وإجبار المشتكى منه على تنفيذ الحكم. وأضاف الأستاذ بهلولي أن الأحكام القضائية الصادرة باسم الشعب الجزائري ممهورة بالصيغة التنفيذية وعلى الأفراد والمؤسسات والهيئات الالتزام بتنفيذها غير أن الأمر فيما يتعلق بالعقارات يصطدم بإشكالات وواقع مادي حيث يستعين المحضر القضائي بالقوة العمومية، غير أن المسألة تقتضي أحكاما أخرى للتنفيذه.
رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان مصطفى بوشاشي:
يجب إعادة النظر في منظومة تنفيذ الأحكام القضائية
شدد مصطفى بوشاشي، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، على وجوب إعادة النظر في منظومة تنفيذ الأحكام القضائية بصفة خاصة وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية بصفة عامة. وقال بوشاشي، في اتصال مع "الشروق"، إن السلطة القضائية في الجزائر تقع تحت تأثير نظيرتها التنفيذية وتخضع لها من الناحية العضوية والوظيفية، حيث يتضح جليا طغيان هذه الأخيرة على السلطة القضائية، مشيرا إلى ما يعانيه المحضرون القضائيون خلال تنفيذ الأحكام بصفة عامة، وخاصة تلك التي تصدر في حق بعض المؤسسات العمومية، حيث قال إنهم يجدون صعوبة كبيرة في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد بعض هذه الإدارات بما أنه لا يمكن الحجز عليها في حالة تغريمها ماديا.
مفصولون عن العمل ومطرودون من البيوت...
مواطنون يستغيثون.. أنصفتنا العدالة ولم نسترجع حقوقنا..
يفاجأ الموظف البسيط بقرارات من الإدارة بفصله عن العمل دون ارتكابه أي خطإ مهني. وبعد سلسلة متواصلة من البحث والتنقل ما بين مفتشية العمل والمحكمة قد يفصل القاضي بإعادته إلى وظيفته الأولى، غير أن المؤسسة ترفض ذلك. وهناك المئات من المواطنين الذين يحوزون أحكاما لاستعادة منازلهم أو أراضيهم إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك. وهو ما وقع مع عائلة عاشور مبارك، التي تملك قطعة أرضية بموجب عقد هبة محرر بتاريخ 22 ديسمبر 1896 مشهر وعقد ملكية ثان محرر بتاريخ 6 فيفري 1907 مشهر بشارع كريم بلقاسم، غير أن أنه تم الاستيلاء عليها وشرع في أشغال البناء عليها وصدرت بموجب ذلك عدة أوامر استعجالية مؤيدة بقرارت من المحكمة ولم تسترد حقوقها..
ولا يقتصر النزاع على الأراضي بل يشمل حتى الموظفين الذين تم تسريحهم من وظائفهم وهي حال "قرنين ساعد ولد المختار"، المعاق على مستوى الرقبة بنسبة 80 بالمائة، يقول ساعد الذي قصد مقر جريدة "الشروق": "كنت أعمل بمركب الرياض بمهدية طيلة 24 سنة بما فيها سنوات الجمر، حارسا ليلا ونهارا، وهو ما تسبب في إصابتي بانهيار عصبي استدعى دخولي مستشفى الأمراض العقلية. وبقيت أخضع للعلاج وأتناول علاجا خاصا بالأعصاب والأمراض المزمنة طيلة 20 سنة، إلا أن حياتي انقلبت رأسا على عقب بعد تدخل الشريك الجديد، فقد تعرضت للطرد منذ 7 سنوات لأظل في تنقل دائم بين محاكم تيسمسيلت ومهدية وتيارت من أجل المطالبة بحقوقي المعلقة غير أن مساعي جميعها باءت بالفشل.
وهي الحال ذاتها بالنسبة إلى "كشاد رشيد" أمين عام لفرع نقابي، مندوب في لجنة المشاركة والتعاضدية، الذي صرح عندما قصد مقر "الشروق" بأنه طالب بحقه في الترقية غير أن مديره رفض ذلك فتوجه إلى مفتشية العمل. وبعد أن أحيل ملفه، على حد قوله، على المحكمة، أكد الخبير بأن لديه الحق في 3 درجات و4 أقسام، لتفصل العدالة بحقه في الترقية. وجاء حكم مجلس القضاء مؤيدا للحكم الأول ليفاجأ بعد ذلك بتسريحه من العمل. وقال المتحدث إن قرار التسريح جاء بناء على استحالة تلبية طلبه في الترقية بعد 27 سنة من العمل.