رغم الملايير التي تصرف على قطاع الصحة لتحسين الخدمة، ورغم أن الدواء والعتاد وكل المستلزمات يتم اقتناؤها من الخارج بالملايير، إلا أن المسؤولين في الجزائر لا يثقون في مستشفياتنا وأطبائها ويهرولون إلى أكبر المستشفيات الأوروبية بمجرد التعرض لوعكة صحية قد تعالج في أبسط مستوصفات البلاد، لكن غياب ثقة المسؤولين في خدمات المؤسسات الصحية للبلاد يدفعهم إلى عدم المغامرة والخضوع للعلاج فيها على يد أطباء كوّنتهم الجامعة الجزائرية، وهذا ما انعكس سلبا على المواطنين الذين فقدوا الثقة في المستشفيات الجزائرية التي تحولت إلى أماكن يموت فيها المرضى بـ"القنطة" بسبب سوء التشخيص وكثرة الأخطاء الطبية وغياب التكفل بمختلف الأمراض، ما دفع المواطنين إلى بيع ممتلكاتهم والتسول في الجرائد من أجل العلاج في الخارج وعدم المغامرة في المستشفيات..
فيما يتسول المواطنون في الجرائد و"الفايسبوك" للعلاج بالخارج
10 ملايين أورو سنويا للمحظوظين والمسؤولين للعلاج بفرنسا
يخصص صندوق الضمان الاجتماعي 10 ملايين أورو سنويا لألف جزائري للعلاج في المستشفيات الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا، نتيجة إصابتهم بأمراض عضال ومستعصية على العلاج في المستشفيات الجزائرية، وهذا ما يعتبر حسب المختصين بمثابة اعتراف غير مباشر للسلطات على عجز المستشفيات في التكفل على الأقل بـ1000 حالة سنويا حسب الإحصائيات الرسمية، غير أن الشبكة الجزائرية للأمراض المزمنة قدرت عدد الجزائريين الذين يعالجون في الخارج على حسابهم الشخص بـ30 ألف جزائري، حيث يضطر أغلبهم إلى التسول في مختلف وسائل الإعلام و"الفايسبوك" ومنهم من يضطر لبيع أملاكه لتأمين مصاريف العلاج.
ويواجه القطاع الصحي في الجزائر ظاهرة مرضية تمخضت عنها أزمة ثقة بين المريض والمؤسسات الصحية، وما كرس هذه الظاهرة هو الإقدام المتزايد للمسؤولين على العلاج في الخارج بأموال الشعب، وامتدت هذه الظاهرة إلى الرؤساء والوزراء والولاة وإطارات الدولة الذين يستهلكون حصة الأسد من الميزانية المخصصة للعلاج بالخارج والتي تخصص سنويا لـ1000 جزائري من أصل عشرات الآلاف من الطلبات المودعة لدى صندوق الضمان الاجتماعي، ولو كان هذا خيارا شخصيا يتكفل كل مسؤول بدفع مستحقات علاجه من جيبه الخاص لما كان هذا موضوعا ينشر على الصحف، لكن تكليف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتغطية هذه التكاليف هو ما يجعل الموضوع مثيرا، حيث تنفق الخزينة العمومية ـ مال الشعب ـ على توفير رعاية صحية ممتازة ومعايير خمسة نجوم لهؤلاء المسؤولين في وقت يصارع المواطن البسيط المرض ويضطر لبيع أملاكه للعلاج بالخارج بعد ما عجزت المستشفيات عن تقديم العلاج المناسب لحالته..
رؤساء المصالح الطبية يحللون الظاهرة
لهذه الأسباب لا يثق الجزائريون في المستشفيات
أرجع رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة "فورام" الدكتور مصطفى خياطي، سبب تنقلالمرضى إلى الخارج للتداوي إلى نقص الوسائل من جهة والأطباء الأكفاء في بعض النواحيمن جهة أخرى، حيث يلجأون إلى البلدان العربية الشقيقة كتونس والأردن ولبنان وغيرهممن البلدان المتقدمة في مجال الطب والجراحة، مضيفا إلى أن هناك في العالم أمكنة راقيةفي مجال الاختصاصات الطبية، وأرجع خياطي تدهور الصحة في الجزائر إلى نقصالإمكانيات وتكوين الأطباء بالإضافة إلى أن بلادنا نظرتها إلى الصحة حصرتها في مجالالأدوية فقط، متجاهلة تنظيم المستشفيات، ضاربا مثالا بوجود طبيب متحصل على الدكتوراهمنذ 25 سنة لا يلقي أي محاضرات في الجامعات.
ومن جهته، أبدى رئيس عمادة الأطباء بقاط بركاني سخطا شديدا على سوء التسيير والتنظيم الذي يعرفه القطاع العام والخاص في مجال الصحة بالجزائر، وأكد انه السبب الرئيسي وراء لجوء الجزائريين للعلاج بمستشفيات تونس الشقيقة، بالرغم من أن الكثير من الأطباء التونسيين تلقوا تكوينهم بالجزائر، إلا أن الإهمال والتسيب الذي أضحى يطبع مستشفياتنا وعياداتنا، خاصة العمومية منها، جعل المرضى الجزائريين يفقدون الثقة في القطاع الصحي في البلاد، ويفضلون إجراء بعض العمليات الجراحية بالعملة الصعبة في عيادات تونس، واصفا الوضع بـ"العيب والعار" على المسؤولين المتعاقبين على القطاع بالدرجة الأولى، مثنيا بالمقابل على المجهود الذي يبذله الوزير الحالي الذي حسب قوله أخذ بعين الاعتبار أمر التكفل بتطوير الكفاءات الإدارية والتنظيم والتسيير في القطاع العمومي بالخصوص.
وفي هذا السياق حمّل البروفيسور خٌوجة باسم رئيس مصلحة الجراحة والتوليد بمستشفى بولوغين، الدولة مسؤولية هروب المرضى للعلاج بالخارج، وحسبه فإن الإمكانيات البشرية موجودة بالمستشفيات الجزائرية، لكن بعضها غير مكوٌن ومؤهّل لإجراء عمليات معينة، فمثلا جراحات القلب كانت تُجرى خارج الوطن، أما الآن قررت الدولة جلب مختصين أجانب لإجرائها في الجزائر وبحضور أطباء جزائريين... وغالبية الجراحات التجميلية غير موجودة، والسبب هو نقص التكوين والتأهيل.
ويؤكد محدثنا أن العمليات الجراحية منعدمة تماما في القطاع العمومي وموجودة فقط بالقطاع الخاص، لكن تكاليفها جدُّ باهظة، وهو ما يجعلنا نوجه نداء لمسؤولي القطاع بتحمل الضمان الاجتماعي تكاليف العملية أو جزءا منها لتخفيف العبء على الجزائريين، والسّبب الثاني حسب البروفيسور خوجة لهروب المرضى، هو عدم قدرة المستشفيات العمومية على استيعاب العدد الكبير للمرضى.
رئيس الشبكة الوطنية للأمراض المزمنة عبد الحميد بوعلاق
الأطباء حولوا المستشفيات إلى ملكية خاصة
اتهم المُنسّق الوطني للشبكة الوطنية للأمراض المزمنة عبد الحميد بوعلاق وزارة الصحة، بعدم تنظيم القطاع وسوء توزيع المؤهلات والكفاءات خاصة بالنسبة للمستشفيات الجامعية، وهو ما يجعل المرضى في حيرة من أمرهم، ويضطرون مُجبرين غير مخيّرين للتوجه للعلاج نحو الخارج رغم وجود الإمكانات في الجزائر، وحسبه "بعض الأطباء يتصرفون داخل المستشفيات وكأنهم في ملكية خاصة...
أما الأكفاء منهم فهاجروا للعمل خارج الوطن" كما اعتبر بوعلاق أن مسؤولي الصحة وغالبية المنتمين لهذا القطاع ليس لهم الجدية في التعامل مع هذا القطاع"... سبق للوزارة عن أعلنت عن كثير من المشاريع مثل طبيب الأسرة والطبيب المتعاقد لم نرى لها تجسيدا على أرض الواقع.."، مطالبا الدولة بدراسة ظاهرة الهروب للعلاج خارج الوطن، وفتح نقاش طني بإشراك فعاليات المجتمع المدني. وأرجع محدثنا أسباب تطور الطب في بعض الدول المجاورة ومنها تونس، بإضفاء الأخيرة الطابع الخاص على قطاع الطب وبالأستثمار في هذا المجال وفتحه لأطباء أجانب.
رئيسة الجمعية الجزائرية لطب الإنجاب تكشف:
طب الإنجاب في الجزائر مازال متأخرا في بعض التخصصات
صرحت رئيسة الجمعية الجزائرية لطب الإنجاب آمنة أومزيان، في اتصال لـ"الشروق"، أن بعض المواطنين يفضلون اللجوء إلى بعض الدول المجاورة كتونس أو الأوروبية كفرنسا وبلجيكا لإجراء بعض العمليات المتعلقة بالإنجاب التي لا يتم إجراءها في الجزائر لتعارضها مع التعاليم الشرعية كتحديد جنس المولود أو تأجير الأرحام، وأخرى لا تتوافر الإمكانات والتقنيات للقيام بها ومن بينها عملية اختيار الجنين الذي تكون نسبة حمله لأمراض وراثية موجودة لدى الوالدين وعائلتهما أقل خلال عملية التلقيح الاصطناعي وهذه العمليات لا تتم في الجزائر لعدم وجود أخصائيين في الجينات ولصعوبة التقنيات المستخدمة فيها وارتفاع ثمن العتاد والتكنولوجيا المستعملة فيها إلا أن هناك مساعيَ لإدخالها للتراب الوطني، وأردفت المختصة أنه لا توجد عملية لعلاج العقم موجودة في تونس أو أي دولة أجنبية وغير متبعة في الجزائر فالجائر لديها نفس مستوى الدول المغاربية المتقدمة في هذا المجال وتقدم العلاج بتكاليف ..
رئيسة لجنة الصحة بمجلس الأمة لويزة شاشوة:
الجزائريون ضحايا قانون عمره 30 سنة لتسيير الصحة
أكدت لويزة شاشوة رئيسة لجنة الصحة، والشؤون الاجتماعية والعمل والتضامن الوطني بمجلس الأمة، أن الدورة الربيعية لمجلس النواب ستناقش قانون الصحة الجديدة وتركز فيه آليات تطوير العلاج الوطني والحد من السفر للعلاج في الخارج من خلال انتهاج مستوى خدماتي في المستشفيات والعيادات بعد تسليم عدة مؤسسات استشفائية قيد الإنجاز.
و كشفت شاشوة، أن لجنتها اقترحت عدة نقاط قبل عرض قانون الصحة الجديد أمام الحكومة فيما ستعمل لتسليط الضوء على أهم النقاط التي تجعل المريض الجزائري يضع ثقته في العلاج الوطني وهذا بمناقشة بعض النقائص بعد تغيير قانون الصحة القديم والذي يقف حسبها منذ 30 سنة تقريبا كحاجز أمام بعض التحديات التي يقوم بها الكثير من الأطباء الجزائريين والباحثين في مجال الصحة الوطنية.
أوضحت رئيسة لجنة الصحة بمجلس الأمة، أن من بين المقترحات التركيز على التكوين في الخارج ومتابعة التطورات والمستجدات في مجال الصحة وآخر الاكتشافات الطبية، حيث أشارت أن الجزائر رصدت غلافا ماليا فيما يخص التكوين الخاص بالأطباء لاسيما فيما يخص الأمراض التي لم تكن تعالج في الجزائر في سنوات مضت.
أمين منظمة ضحايا الأخطاء الطبية.. محيي الدين أبو بكر:
غياب الثقة في المستشفيات دفعنا لبيع ممتلكاتنا للعلاج بالخارج
أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية لضحايا الأخطاء الطبية أبو بكر محيي الدين أن سبب سفر الجزائريين للعلاج في الخارج إلى عدم ثقتهم بكفاءة الأطباء والأجهزة المتواجدة في المستشفيات العمومية والعيادات الخاصة التي هدفها الربح السريع، في الوقت الذي ترتفع فيه سنويا ضحايا الأخطاء الطبية، مشيرا إلى قانون الصحة الذي لم يعدل منذ أكثر من 30 سنة، وتأسف لزوال لقب الحكيم الذي قتله الأطباء اللذين لا يملكون الضمير المهني وروح الانسانية، بالمقابل يتخذ الطبيب الأجنبي كل الإجراءات اللازمة في عملية التشخيص من خلال إخضاع المريض للفحوصات الطبية من أشعة وتحاليل لاكتشاف سبب المرض قبل منحه الأدوية، والمستفيد الوحيد هي المستشفيات الأجنبية والخاسران المريض على غرار الدولة.
وكشف أن جميع المقيمين في الولايات الحدودية الشرقية يعالجون في تونس، كما توجد نسبة كبيرة من الجزائريين يبيعون ممتلكاتهم من سيارات ومجوهرات للعلاج في الخارج بعد تدهور القطاع الصحي وانعدام مستشفيات بمواصفات عالمية في الجزائر بدليل أننا لا نفرق بين الطبيب والممرض.. مستشفياتنا.