ومع ما هم فيه من خير إلا أنهم لم يتركوا الكسب الحلال الطيب ولم يكونوا عالة على غيرهم وإنما جمعوا بين خيري الدنيا والآخرة، فليكونوا لنا قدوة. وليُعلم أن هذه الأمة لا يزال فيها خير كثير والحمد لله، فهلم بنا أخي نستعرض حياة هؤلاء الصالحين.
فأول هؤلاء الصالحين رجل من اليمن يقال له: أبو يحيى اليمني.
هذا الرجل له أكثر من أربعة عشر سنة وهو يدخل الحرم من الساعة الثالثة والنصف فجراً ( يعني: أول ما يفتح الحرم ) إلى بعد صلاة العشاء.
يكثر في هذا الوقت من الصلاة والذكر وقراءة القرآن والاستغفار.
وكان كثير الصيام؛ ففي شعبان ومحرم لا يفطر إلا يوماً أو يومين، ويصوم الاثنين والخميس والأيام البيض.
كل شهر يذهب لمكة للعمرة وكل سنة يحج.
سألته في يوم من الأيام: هل تذكر في يوم أن فاتتك الصلاة؟ قال: والله ما أذكر فاتتني الصلاة.
يقول لي: كنت أشتغل وآتي بالراتب كاملاً لوالدي وأعطيه إياه وأنا متزوج ووالدي يقوم بإخراج مبلغ من المال ويصرف عليّ به.
قلت له: لماذا؟ قال: ليشعر أنه هو الذي له الفضل علي وليس أنا الذي لي الفضل عليه.
وكان هذا الرجل قليل الأكل؛ ففي الصباح يأكل خبزة مع فول وشاي، ولا يأكل بعدها شيئاً حتى العشاء، ويكون العشاء خبزاً وإيدام فقط.
قلت له: لماذا؟
قال لي: كثرة الأكل تُذهب الخشوع وتثقل الإنسان عن الطاعات.
هذا إذا كان مفطراً، وقليل جداً ما أجده مفطراً.
وأما الرجل الثاني فهو من تونس يقال له: أبو محمد التونسي.
قدم إلى المملكة قبل قرابة سبعة وعشرين سنة، ومن ذلك الوقت لا يفوته فرض في الحرم بل كل جنازة يصلي عليها في الحرم ويتبعها.
الثالث: أبو الحسن .
من أكبر تجار المدينة المنورة.
برنامجه اليومي: يأتي إلى الحرم قبل صلاة الفجر بساعة، ويجلس حتى الإشراق، ثم يذهب ويأتي للحرم في الساعة الحادية عشرة ويجلس إلى صلاة الظهر، ثم يذهب ويأتي قبل صلاة العصر بنصف ساعة، ويخرج في العصر ساعة واحدة ثم يعود للحرم ويجلس إلى بعد صلاة العشاء.
وعندما أراه أذكر قوله تعالى (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه).