فتح، صباح أمس، الحكم الدولي جمال حيمودي قلبه لـ "الهدّاف" من البرازيل، على الرغم من كونه أدار بداية من الساعة الخامسة من مساء أمس، المباراة الترتيبية لكأس القارات بين الأورغواي وإيطاليا، وقد اتسع قلبه للإجابة على كلّ أسئلتنا، كما فاجأنا بتأكيده أنه قرّر الاعتزال بعد نهائيات كأس العالم التي يتمنّى المشاركة فيها ليخرج من الباب الواسع..
تدير بعد قليل (الحوار أجري أمس) المباراة الترتيبية لنهائي كأس القارات، فما الذي يفكر فيه حكم قبل ساعات من مباراة من هذا المستوى؟ وما الذي يفعله؟
هنا لا تفعل شيئا، أنت دورك أن تذهب إلى الملعب فقط، لأن كلّ شيء جاهز، أما التحضيرات فقد تمّ القيام بها من قبل. لهذا السبب فالإنسان يرتاح قبل الذهاب إلى الملعب، وعلى أرضية الميدان كل الظروف ستكون مواتية لأي حكم ليدير مباراة في أعلى مستوى.
هل انتظرت في يوم ما أن تصل إلى ما أنت عليه الآن، هذا خاصة أنك أدرت مباريات في أغلب المنافسات الدولية الكبرى لاسيما كأس العالم للأندية وكأس القارات؟
الحقيقة أني عملت وخططت، والله وفقني، ولا يمكني أن أتكلم عن نفسي فقط لأن الاتحادية ساعدتني كثيرا، وكذلك رئيس لجنة التحكيم، كما تمّ تخصيص محضرين بدنيين من طرف "الفاف" تحت تصرّفي، وفي النهاية "هذا يكمّل هذا".. يضاف إلى ذلك صبر العبد الضعيف وإرادته، لأنني في وقت ما فكرت في الاعتزال.
متى كان ذلك؟
بعد مباراة اتحاد العاصمة واتحاد الحراش في ربع نهائي كأس الجمهورية الموسم قبل الماضي، وصلت إلى مرحلة "تشبع" وأصبحت أرى أنه لا جدوى من المواصلة، فالإنسان من لحم ودم ويتأثر بما يدور من حوله، ولكن من حسن الحظ أنني لم اتخذ القرار.. وفي كلّ الحالات أقول أنني "في الفايدة" مادام وصلت بعد ذلك لإدارة نهائي كأس إفريقيا ومباراة الافتتاح لأول مرّة، ومباريات كأس العالم للأندية وكأس القارات، في انتظار كأس العالم.
هل تتفاجأ لمّا ترى نفسك في هذا المستوى؟ أم تتعامل مع الأمر على أساس أنه تحصيل حاصل لما بذلت من مجهودات؟
أنا سطرت أهدافا أنه عليّ أن أكون حكما دوليا ووصلت إلى ذلك، ثم استهدفت الساحة الإفريقية، والحمد لله أنا اليوم أفضل حكم في القارة، بقيت الجبهة العالمية. هناك مونديال في الانتظار أتمنى أن أنجح فيه، لأننا أثبتنا كجزائريين أن الحكام الأوربيين ليسوا أفضل، ربما من حيث كلمة "حكم أوربي" فقط، لكن على الميدان في اعتقادي كلّ الفوارق تسقط والبقاء يكون للأصلح، وقد أثبتنا إمكاناتنا بدليل الثقة التي نحظى بها من قبل لجنة التحكيم الإفريقي وعلى مستوى "الفيفا".
تتكلم دائما عن مساعدة روراوة، أيّ مساعدة قدّمها لك؟
مجرّد وجوده يعطيك الثقة، كما أن الرّجل له وزن ولا يرضى أن نتعرّض إلى الظلم. بوجوده لا أقول إننا نأخذ أكثر من حقنا ولكنّنا نأخذ ما نستحقّ، لأنه في النهاية هناك ميدان وعليه تسقط كلّ الأقنعة ويظهر الحكم الجيّد من الحكم السيّء. و قد أثبتت كحكم جزائري في المنافسات الكبرى أن تواجدي بين أفضل حكام العالم ليس صدفة وإنما لأنني استحقّ ذلك بكل تواضع، كما لا أنسى وقفة الحاج روراوة معي من خلال الدعم اللامشروط، والرجل يملك وزنا في القارة وفي "الكاف" و "الفيفا"، فتواجده مع المنتخب الجزائري مثلا لا يمنح الفرصة لأيّ كان لأن يظلم المنتخب، وهذا ما يحصل معي بالضبط.
قلت إنك أصبحت من بين أحسن حكام العالم، هل لنا أن نعرف في أيّ مرتبة أنت الآن وفقا لنظرة لجنة التحكيم على مستوى "الفيفا"؟
لا يخفى عليك أنني الآن في البرازيل أشارك في كأس العالم للقارات، وهذه المنافسة بمثابة كأس عالم مصغرة. يوجد 10 حكام من أفضل ما هو موجود في العالم ككل، ومن كلّ القارات، ولهذا يجوز أن نقول إنها كأس القارات للمنتخبات وكذلك الحكّام، وتواجدي بين هؤلاء الحكام في منافسة كهذه هو امتياز لا يمكن أن يحصل مع الجميع. وبعد تشريفي بإدارة المباراة الترتيبية، فهذا يعني أنني مصنف كثالث أفضل حكم في العالم، ولو أنه عليّ أن لا أبالغ في الفرحة، بل أعمل وأثبت أنني استحقّ هذه الثقة، فالقادم أصعب.
ما الذي تهدف إلى تحقيقه الآن؟
بطبيعة الحال، لا زالت أمامي نهائيات كأس العالم، أين عليّ أن أثبت للجنة التحكيم ما أنا قادر على فعله، وأنه يمكنني أن أكون أفضل ممّا فعلت حتى الآن. وبالنسبة لي، فإن كل مباراة هي تحدّ لأكون أحسن من المباراة التي سبقتها، وحتى الآن لا يعرف أحد إن كان سيشارك في المونديال أم لا. ولهذا السبب فإن الهدف يبقى المشاركة في الدورة النهائية.
إذا شاركت، ما الذي تطمح إليه؟ مثلا إدارة النهائي؟
(يضحك)... أولا، دعنا نتأكد أنني سأكون في القائمة النهائية، وأن تبتعد عنّا الإصابات، وبعد ذلك الهدف أن أكون أفضل سفير للتحكيم الجزائري وكذلك العربي، لأن الحكام العرب تمثيلهم يكاد يختفي. صحيح أن التحكيم العربي كان حاضرا في نهائيات كأس القارات وكأس الأندية ولكن من خلال حكم جزائري، وفي النهاية الهدف أن أشرف الجزائر والقارة، ولو أنني أتكلم مسبقاً، فسنة كاملة تفصل عن الدورة وكلّ شيء وارد.
عندما تدير مباريات في أعلى مستوى، ألا تستغرب صراحة حجم الضغوط المفروضة عليك في البطولة الوطنية؟
فعلا، يجب أن نعترف أن الضغط في البطولة الوطنية رهيب، ومبالغ فيه، سواء من قبل الجمهور أو من قبل اللاعبين أو المحيط. ولكن هل تصدّق أن هذا الضغط وكل ما نتعرّض له هو الذي أوصلني إلى هذا المستوى؟!... (يضحك)
هل من تفسير؟
عندما تتعامل مع الضغط ومع كلّ ما يصادفك على أرضية الميدان في الملاعب الجزائر، فإنك تستفيد من أفضل تحضير ممكن، لأنك في منافسة عالمية، وعندما تدخل أرضية الميدان ستجد كلّ شيء مهيئاً، فقط دورك هو أن تعطي لكلّ ذي حق حقه وبكلّ حرية ومن دون أن تواجه احتجاجات تذكر. لهذا فعندما تعود إلى إدارة لقاءات في البطولة تستغرب بعض الشيء، ولكن أدين للبطولة أنها أوصلتني إلى ما أنا عليه، بفضل الضغوط، وما يدور من حولي وصلت على هذا المستوى.
لماذا في رأيك الظروف في البطولة الوطنية صعبة على أيّ حكم؟
لأنه لا وجود لثقافة تقبّل الهزيمة. نحن ننسى عندما نلعب كرة القدم أنها مجرّد رياضة وليست أكثر من ذلك، لكننا نحمّلها للأسف ما لا طاقة لها به. الجميع في بطولتنا يريد تحقيق الانتصار، وحتى الفريق الذي يكون سيّئاً على أرضية الميدان. تنقصنا ثقافة التقبل والتعلم، لأننا نشاهد في المستوى العالي فرقا تخسر بنتيجة ثقيلة وفي النهاية جمهورها يصفق للفائز، ويتمنى لفريقه حظا أوفر في المباراة المقبلة... على كلّ حال ستتغير هذه الذهنيات قريباً إن شاء الله.
ما دامت تتكلم عن هذا الأمر، فالكلّ يتذكر الاتهامات التي تعرّضت لها من قبل إداريي ومسؤولي المولودية بعد نهائي كأس الجمهورية. لماذا اتفقوا على تحميلك مسؤولية خسارتهم رغم أن مردودك بدا لأغلب الملاحظين عاديا؟
عندما أدير أيّ مباراة فإنني احتكم إلى ضميري، خاصة في نهائي كهذا، واعتقد أنني وفقت في تأدية دوري على ما يرام، ولم أظلم أيّ فريق، وضميري مرتاح من هذه الناحية، وأكثر من ذلك أن ما قيل بعد المباراة ربما كان دافعاً لي لأعمل أكثر و أشارك في كأس العالم للقارات، وأنجح في هذه المنافسة. فهل أخطأ مسؤولو لجنة التحكيم الإفريقية والدولية من خلال تمكيني من فرصة الظهور في مسابقة كهذه؟ هذا هو السؤال الذي أطرحه.
هل وجدت تفسيرات لاتهامات مسؤولي المولودية؟
لم أجد أيّ تفسير رغم أن المباراة كانت عادية، وشخصيا أنام بضمير مرتاح، و الحكم لكم أنتم وللملاحظين والمحايدين. أما فريق المولودية فأنا احترمه كناد عريق، ولكن في المشهد الكروي في الجزائر الكلّ يرفض تقبّل الخسارة.. "الله غالب" هذه ثقافة سادت ولا أتمنى أن تترسّخ.
بخصوص شاوشي، ما الذي كتبته عنه في تقريرك، أم أنه عوقب دون المرور على تقرير الحكم بعد أن تهجّم على وزير الشباب والرياضية..
لا يمكنني أن أتكلم عن هذا الموضوع وأفتح الباب أمام التأويلات. بالنسبة لـ شاوشي، كلّ ما يمكنني أن أقوله هو أنني أتمنى له مشوارا أحسن، وأن يتمكن من العودة إلى المنافسة، وينجح في حياته المهنية لأنه لا يزال صغيرا والمستقبل أمامه.
ماذا عن بابوش؟ لماذا عوقب؟
لا أريد أن أتحدّث في هذا الموضوع، لأن هناك قرارات اتخذت وأنا لا أتكلم إلا على ما يخصّني.
هل تابعت آخر مباراتين للمنتخب الجزائري؟
نعم تابعتهما، وكنت سعيدا جداً. وبخصوص أداء الحكمين فهما لم يقوما سوى بواجبهما سواء تعلق الأمر بالكاميروني "نيون" أو الحكم الغيني، والمهم أن المنتخب فاز بمباراتيه وتأهّل (يتوقف ثم يسأل): هل صحيح ما سمعته عن احترازات رفعها الاتحاد المالي على لاعبين من منتخب البينين؟
نعم، الإعلام المالي يتحدّث عن احترازات قلّلت "الفاف" من شأنها وتؤكد أنها غير مؤسّسة.
الحمد لله، أتمنى ذلك، لأنني مناصر للمنتخب وأفرح لانتصاراته، وأتمنى أن أراه مجدّدا في البرازيل، ونكون ممثلين بحكام ومنتخب ونشرّف كلنا الجزائر إن شاء الله.
متى تفكّر في الاعتزال؟
سأعطيك معلومة لا يعرفها أحد. أنا أهدف إلى التواجد في نهائيات كأس العالم و أحقق أمنية الشعب الجزائري وبعد ذلك سأعلن عن قرار اعتزالي. إنه قرار نهائي.
لماذا هذا القرار؟
أبلغ من العمر 42 سنة حاليا، وبعد المونديال لن تكون هناك منافسات كبرى، ولهذا بعد كلّ النجاحات التي حققتها عليّ أن لا أكون أنانيا وأخرج من الباب الواسع، و أفسح المجال لحكم شاب جزائري من بعدي.
هذا هو السبب فقط؟
نعم، هذا هو السبب. وكما قلت لك عليّ أن لا أكون أنانيا، وأخرج من الباب الواسع، لأن اعتزالي من شأنه أن يفتح الباب لحكم شاب يأخذ فرصته، وعوض أن أبقى عامين آخرين مكانه، عليّ أن أترك له الفرصة، رغم أنني سأشتاق إلى البطولة التي قضيت في إدارة مباريات فيها سنوات طويلة. هل تصدّق أنني عندما أبقى مدة خارج الوطن في إدارة مباريات أتلهّف للعودة إلى الوطن والبطولة. لقد قلت لك إننا تعلمنا منها.
ما هي أفضل ذكرى في مشوارك؟
اليوم الأحد (يقصد أمس) بما أنني سأدير المباراة الترتيبية بين الأورغواي و إيطاليا.
ماذا تفعل ساعات قبل اللقاء؟
لا شيء غير الراحة، وقبل ذلك تشاهد مباريات للفريقين رغم أنهما غنيّان عن كلّ تعريف.
... وأسوأ ذكرى؟
عندما كنت في البطولة العربية وبلغني نبأ وفاة والدتي.
أحسن مباراة أدّيتها؟
في كأس العالم للأندية بين هيروشيما الياباني وفريق من نيوزيلاندا.
.. وأسوأها؟
مباراة ربع نهائي كأس الجزائر الموسم قبل الماضي بين اتحاد الجزائر واتحاد الحراش، لم أوفق خلالها.
لماذا؟ هل لك أن تشرح لنا؟
ليست قرارات بقدر ما هي مسألة مردود وعطاء، كنت عائدا من عملية جراحية ولم أكن في يومي ويمكن أن يحصل هذا مع أيّ حكم، لأنه لا يمكن أن نكون دائما في القمّة.
هل تعترف أنك أخطأت في حقّ بعض الفرق الجزائرية؟
نعم قد يحصل هذا، لأن الحكم مطالب باتخاذ القرار في جزء من الثّانية، ويمكن أن يخطئ، والمشاهد يكون مرتاحا خلافا للحكم، وعندما أخطئ فإنني أعمل بحجم أكبر حتى لا أكرّر ذلك، وأعمل على أن أركز أكثر.
هل يمكن أن تعطينا مثالا عن مباراة أخطأت فيها في حقّ فريق جزائري وبقي ذلك في ذهنك؟
لا يمكنني أن أعطي أمثلة، ولكن أقول إنني إذا أخطأت "يسمحولي"، وإذا هناك من أخطأ في حقي أقول لهم: حسبي الله ونعم الوكيل.
إلى من تحتكم في نهاية أيّ مباراة؟
هناك مراقبون ولكن ضميري هو أوّل حكم.
كيف تتعامل عندما تدير مباريات للاعبين كبار في العالم؟
القانون سيّد على الجميع، ولا يهمّني أي لاعب.
ما هي أمنيتك؟
إدارة مباريات في نهائيات كأس العالم والتوفيق في ذلك.
من تشكر اليوم على ما حققته؟
الله سبحانه وتعالى وعائلتي، بالإضافة إلى الاتحادية وكذلك بلعيد لكارن وكلّ من ساندني ولو بكلمة.
كيف يكون ردّ فعلك عندما تطالع تصريحات رؤساء الأندية يتهمونك خلالها؟
لنا الله. ماذا تريدني أن أقول؟
ألا ترى أن مهنة التحكيم ظالمة؟
الحمد لله على كلّ شيء، لها وعليها، وفي النهاية كانت اختيارا شخصيا أعتقد أنني وفقت فيه من خلال تحقيقي لكلّ أحلامي.
من هو الحكم الجزائري الذي ترى أنه سيخلفك؟
هناك حكام ممتازون، بالعمل والإرادة سيصلون وخاصة بالصبر، لكن لا يمكنني أن أعطي أسماءً لأحافظ على علاقتي بالجميع.
ما هي النصيحة التي تقدّمها لهم؟
الصبر ولا شيء غير الصبر.
ماذا تضيف؟
أتمنى أن أوفق في إدارة مباريات في نهائيات كأس العالم حتى أعتزل مرتاحاً.
شكرا لك على رحابة صدرك ونتركك الآن، ونتمنى أن توفق في رفع راية التحكيم الجزائرية.
لا شكر على واجب، والشكر لكم وللإعلام الجزائري الذي ساندني كثيرا.
كلمات دلالية :
حيمودي