لطالما لجأت السلطة إلى توظيف البحبوحة المالية التي وفرتها أسعار البترول المرتفعة، في السنوات الأخيرة، لشراء "السلم الاجتماعي" حفاظا على استمرارية النظام القائم، إذ لم يتردد كبار المسؤولين في إيهام الجزائريين بأن مشاكل البلاد اجتماعية وليست سياسية، اعتقادا منهم بأن خزائن الدولة المملوءة، قادرة على تحويل اهتمامات الجزائريين. فما هي الحلول التي بقيت بيد السلطة في ظل التراجع الكبير لأسعار النفط؟ وهل ستدفع المخاوف المتأججة لدى السلطة من استمرار تدهور الذهب الأسود، إلى مراجعة مواقفها من الأزمة؟ وهل سيدفع هذا المعطى السلطة لتقديم تنازلات للمعارضة التي صعدت من انتقاداتها في المدة الأخيرة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها "الملف السياسي" لهذا الخميس.
متى تُقلع عن الوصفات المضلّلة؟
السلطة تداوي السرطان بالأسبيرين
شكّل تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ضربة موجعة لسياسات الحكومة، لاسيما ما تعلق منها بالجانب السياسي، فقد عمدت في كل مرة إلى توظيف أموال الريع البترولي، لشراء صمت الجزائريين، كما تقول المعارضة.
فالرئيس بوتفليقة ومن حسن حظه، أن وصوله إلى قصر المرادية قبل أزيد من 15 سنة، تزامن وارتفاع لافت لأسعار الذهب الأسود، بعد نحو أزيد من عقدين من التراجع المريع للأسعار، وهو ما ساعده على إطلاق مشاريع البنى التحتية والرفع في الأجور، وتبني سياسة اجتماعية تقوم على دعم السلع الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، ما رفع من قيمة التحويلات الاجتماعية إلى أرقام قياسية.
هذه السياسة وإن اعتبرت من طرف من يتبنّاها على أنها تندرج في سياق التوزيع العادل للثروة "النفطية"، إلا أنها فُسّرت من طرف المعارضة على أنها سياسة ممنهجة من قبل السلطة، تستهدف شراء السلم الاجتماعي، لضمان استمرار النظام القائم، فكان كمن يداوي السرطان بـ"الأسبيرين".
هذا التضارب في توصيف منهجية السلطة، تجلّى بوضوح فيما عرف بأحداث الزيت والسكّر، التي اندلعت في جانفي 2011، والتي تزامنت مع اندلاع "ثورة الياسمين" في تونس، وأطاحت بنظام المخلوع زين العابدين بن علي، وهو ما زاد من مخاوف السلطة من أن تمتد الشرارة إلى الجزائر، وحينها خرج الوزير الأول، أحمد أويحيى، لينفي الطابع السياسي عن تلك الأحداث، ويغلّفها بالطابع الاجتماعي، في توجه لتبرير اتخاذ إجراءات تهدئة، تمثلت في ضخ أموال جديدة، تحت عنوان تسقيف سعر مادتي السكر والزيت.
ومع انتقال شرارة ما عرف بـ"الربيع العربي" من تونس إلى مصر، ثم اليمن وليبيا فسوريا، أقدمت الحكومة على زيادات معتبرة في أجور العمال باثر رجعي، في مختلف القطاعات، تحت ضغط إضرابات عمالية متكررة، ولكون السلطة مقتنعة بأن القضية تتجاوز الاعتبارات الاجتماعية، فقد عمدت إلى إطلاق إصلاحات سياسية، لكنها ظلت تتعاطى معها وفق مؤشر تطورات الوضع على الأرض (مصير تعديل الدستور لايزال غامضا)، ما رجح لدى الكثيرين، قراءة مفادها أن السلطة توظف ورقة الإصلاحات السياسية لربح المزيد من الوقت.
واليوم، وبعد أن نزل سعر النفط عن عتبة الستين دولارا للبرميل، بات السؤال المركزي، هو كيف ستتعامل السلطة مستقبلا مع أي احتجاج أو تململ محتمل في الشارع؟ وهل خسرت الورقة التي ظلت تلجأ إليها على مدار السنوات الأخيرة؟
وجاء الخطاب المكتوب للرئيس بوتفليقة خلال ترؤسه مجلس الوزراء الثلاثاء، ليجيب عن جانب من هذا السؤال، وهو أن السلطة بدأت تفكر بشكل جدي في الحلول السياسية، بعد أن خسرت ورقة الريع النفطي، وتجلى ذلك من خلال التزام الرئيس بأنه سيطرح قريبا مشروع التعديل الدستوري، الذي يعود عمره إلى 2011.
وإن لم يأت القاضي الأول بجديد، طالما أنه لم يقدم موعدا محددا لطرح المسودة، إلا أن رفعه لورقة سياسية في أول ظهور له بعد أزمة أسعار النفط، يؤشر على توجه جديد، غير أن هذا التوجه، لم يتجرد كلية من المناورة السياسية التي دأبت عليها السلطة، بدليل عودته للحديث عن مطلب سبق للمعارضة وأن حسمت فيه، وهو رفضها العودة للمشاورات حول هذا المشروع، طالما أنها قدمت مقترحاتها لهيئة عبد القادر بن صالح في صائفة 2011.
وإن كان خطاب بوتفليقة الأخير مؤشر على توجه جديد، غير أن ذلك يبقى في نظر المعارضة، ليس كافيا، لاسيما وأنها تدرك جيدا ألاعيب السلطة ومناوراتها.
النائب حمدادوش ناصر رئيس المجموعة البرلمانية للتكتل الأخضر
من فشل في عهد البحبوحة المالية سيكون أفشل بعد تراجع أسعار النفط
يرى حمدادوش ناصر رئيس الكتلة البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء وعضو المكتب التنفيذي لحركة حمس أن بيع الوهم وشراء السّلم الاجتماعي بالرّيع البترولي تجاوزه الزّمن بانهيار أسعاره وتراجع إنتاجه، واعتبر حالة الهلع والتخبط التي تعيشها السلطة بسبب تراجع أسعار البترول، والإجراءات المعلنة لمواجهتها إعلانٌ صريح عن الفشل في الحكم، وأكد أن الفرصةَ سانحةٌ للتوافق بين السلطة والمعارضة بإرادة سياسية حقيقية، وأنهم مستعدون لتحمّل المسؤولية السياسية الجماعية لإنقاذ البلاد.
دأبت السلطة على ضخ الأموال لشراء السلم الاجتماعي، هل بات في مقدورها فعل ذلك الآن في ظل تراجع أسعار البترول؟
بيع الوهم وشراء السّلم الاجتماعي بالرّيع البترولي تجاوزه الزّمن بانهيار أسعاره وتراجع إنتاجه، فبالرغم من حجم التحويلات الاجتماعية في قانون المالية والتي تجاوزت 40 بالمائة من ميزانية التسيير إلا أنها تعاني اختلالات خطيرة تجسد التمييز بين ذوي الدخل، وبالرغم من نوم السلطة على هذه السياسة في شراء السّلم الاجتماعي، إلا أننا لا نرى لها أثرا على الرّفاه الاجتماعي للمواطن وتحسن قدرته الشرائية، وهو ما تعبر عليه الموجات الحادة من الإضرابات والاحتجاجات في كل القطاعات والتي بلغت هذه السنة 12 ألف احتجاجا كانت أغلبها ذات الطابع الاجتماعي، وكان أخطرها احتجاجات الشرطة بنكهة سياسية تعبّر عن معركة كسر العظام داخل أجنحة السلطة.
وإذا كان هذا الضخ من بيع الوهم الاجتماعي ونحن في البحبوحة المالية لم يشفع للسلطة من أجل البقاء في الحكم، فإن الوضع يكون أكثر خطورة وتهديدا بصدمة انهيار أسعار البترول، بعد أن أصبحت 70 بالمائة من ميزانية التسيير وأجور العمال مرتبطة بالمحروقات، وهذا ما كنا نردّده وننبّه عليه بأن هذه السياسات الفاشلة هي أخطر ما يهدد الأمن والاستقرار والسّلم الاجتماعي ويرهن مستقبل البلاد، فالمواطن لم يستفد في زمن البحبوحة المالية فكيف له أن يصبر في سنوات " شدّ الحزام"؟
وإذا علمنا أن المشكلة ليست في مجرد انهيار أسعار البترول فإن تراجع إنتاج النفط وارتفاع نسبة النمو الديمغرافي والمنحى التصاعدي للاستهلاك المحلي، وعجز السلطة عن الذهاب نحو الطاقات المتجدّدة والاقتصاديات البديلة لانعدام الإرادة السياسية وغياب الرؤية الاقتصادية هو ما ينذر بالانفجار الاجتماعي والانهيار الكلّي.
ما هي الحلول التي تتوقعون أن تلجأ إليها السلطة لمواجهة أي تململ أو اضطراب أو غليان اجتماعي قادم؟
حالة الهلع والتخبط التي تعيشها السلطة بسبب تراجع أسعار البترول، والإجراءات المعلنة لمواجهة ذلك هي إعلان صريح عن الفشل في الحكم، بالرغم مما أنفق خلال العهدات الثلاث السابقة (حوالي 800 مليار دولار)، فلا يُعقل مثلا أن قانون المالية لسنة 2015 وقد اعتمد على سعر 100 دولار للبرميل، وهو لم يُصادق عليه بعد يفقد 50 بالمائة من قيمته دليل على التقديرات الخاطئة وانعدام الاستشراف.
ومن المهازل أن تطلب الحكومة من المواطن التضامن معها لمواجهة هذه الصدمة، وهو ليس شريكا في سياساتها الفاشلة، والأجدر بها محاربة الفساد ومتابعة الفاسدين ومحاسبتهم واسترجاع أموال الشعب التي نهبت، وهي كافية لحل الأزمة.
والإجراءات المعلنة مثل ترشيد النفقات العمومية وإلزام الدوائر الوزارية والهيئات الإدارية بضرورة اتخاذ الإجراءات التقشفية بموازناتها المالية، وتقليص منح القروض البنكية، ووقف المشاريع غير ذات الأولوية، وتجميد التوظيف وغيرها هي إعلانُ حربٍ على الشعب، وهي قراراتٌ انتحارية تعيد مسألة الاستقرار الاجتماعي إلى الواجهة، وتزيد في الاختناق والاحتقان المنذر بالانفجار في أيّ لحظة.
هل وصلت سياسة السلطة إلى طريق مسدود؟ علما أنكم حذّرتم عدة مرّات من عدم جدوى هذه السياسة؟
ما وصلنا إليه نتيجة حتمية لمنظومة حكم فاشلة وفاقدة للمصداقية، وهي لعنة تزوير الإرادة الشعبية، كما أن منظومتنا الاقتصادية سمحت بتغول أخطبوط الاستيراد على الإنتاج الوطني، واختلال الميزان التجاري بانخفاض الصادرات مع التزايد المفرط والمقلق للواردات، وأن الجزائر لم تصل يوما إلى هذا الحجم من الفساد مثلما وصلت إليه اليوم، ولعل الترخيص للاستثمار في الخارج ما هو إلا تعبير صريح عن شرعنة الهروب وعدم الاطمئنان من المستقبل، ولعل الانسداد في تعديل الدستور ما هو إلا مظهر من مظاهر محاولات تحصين الفساد والمفسدين وضمان المستقبل السياسي والقضائي للمتسببين فيما وصلنا إليه الآن من العجز والانسداد.
هل حانت الفرصة التي كنتم تنتظرونها لإحداث التغيير، أم أن السلطة ستجد الحلول المناسبة؟.
نحن لا نتمنى هذا المصير للبلاد، وإذا كانت السلطة فاشلة في ظل البحبوحة المالية فإنها ستكون أفشل بانهيار أسعار البترول والذهاب نحو المديونية والمساس باحتياطي الصرف، والزمن ليس في صالح السلطة بل يخدم المعارضة، ولكن الشعب هو من يدفع الضريبة دائما، ولابد من محاسبة الذين خدرونا بالأوهام وأوصلونا إلى هذا الانسداد ويصرون على الذهاب بنا نحو الانهيار، ومع ذلك فإن الفرصةَ سانحة للتوافق بين السلطة والمعارضة بإرادة سياسية حقيقية، ونحن مستعدّون لتحمّل المسؤولية السياسية الجماعية لإنقاذ البلاد، ولازلنا مقتنعين في المعارضة بالحل التوافقي والتفاوضي، ولا يمكن لا للسلطة ولا للمعارضة أن تستفرد بالحكم والحل لوحدها، وهذا ما يدعونا إلى "كلمة سواء" وفتح حوار وطني جاد ومسؤول يؤسس لمسار سياسي واقتصادي جديد.
نائب جبهة التحرير، أحمد خليفة يتهم
الكثير من وجوه المعارضة مسؤولة عن أزمات الجزائر
يعتقد النائب أحمد خليفة عن جبهة التحرير الوطني، أن الجزائر بإمكانها الخروج إلى "بر الأمان"، من أزمة البترول الحالية كونها أعلنت عن "إجراءات مهمة" لتفادي انهيار أسعار البترول، ويرى أنها ستجد الحلول اللازمة لمواجهة "غضب الشارع"، متوقعا خروج البلاد من أزمتها في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
لطالما لجأت الدولة إلى أموال النفط لشراء السلم الاجتماعي، ما مصير هذا التوجه في ظل انهيار أسعار النفط؟
لقد اتخذت الدولة جملة من الترتيبات والإجراءات لتجنب تداعيات انهيار أسعار البترول، من خلال دعم المنتوج الوطني، والمعلوم أن الرئيس في قراراته لم يذكر الدعم الاجتماعي الذي سيتم الحفاظ عليه مع ترشيد النفقات، ثم إن الجزائر لن تتأثر باضطرابات السوق النفطية كونها اتخذت إجراءات مهمة من خلال تسديد الديون المستحقة عليها، بالإضافة إلى البحبوحة المالية، التي يوفرها احتياطي الصرف، وكذا الأموال المرصودة في صندوق ضبط الإيرادات، وزيادة على ذلك لسنا منخرطين في السوق العالمية، ولن تؤثر علينا الأزمة مباشرة مع أنها ستستمر لمدة 36 شهرا، لذلك وجب اتخاذ إجراءات تحفظية واحترازية والتوجه إلى سياسة أخرى.
وماذا عن شراء السلم الاجتماعي في ظل إعلان سياسة التقشف، وكيف ستتعامل الدولة مع الاحتجاجات إن اندلعت ونحن نعلم أنها كانت تشتريها بريع البترول؟
ليس من منطلق الدفاع عن السلطة ولكن سنتكلم بمنطق الأمور، الجزائر مرت بمرحلتين الأولى كانت العشرية السوداء والثانية مرحلة تداعيات "الربيع العربي"، حيث حاول البعض معاودة تجربة زعزعة استقرار البلاد من خلال البحث عن الأسباب، لذلك تطلّب الأمر تسيير الوضع بحكمة ومنطق، وتطلبت الظروف اتخاذ إجراءات استراتيجية لتجنيب الدخول في حرب أهلية، وبالنسبة إلي- بصفتي نائبا- إذا كان شراء السلم الاجتماعي هدفا لبقاء استقرار البلاد فهو أمر مقبول، لأن الشعب الجزائري دفع فاتورة غالية ومن حقه أن ينعم بالاستقرار، كما أن السلطة من حقها الحفاظ على كيان الدولة.
هل تعتقدون أن توصيف المعارضة للأزمة كان صحيحا فيما أخطأت السلطة فيه؟
المعارضة في الجزائر ليست معارضة أفكار بل هي معارضة أشخاص، وانتقام أشخاص من آخرين، وأفضل مثال يمكن تقديمه هنا، هو رفض البعض حضور مشاورات تعديل الدستور لأن المشرف عليها هو أحمد أويحيى، هل تسمونها معارضة تلك التي أفنت حياتها في النظام والسلطة من رؤساء الحكومة ووزراء؟ ثم نقدم مثالا عن هذا النوع من المعارضة حمس مثلا 12 سنة وهم في الحكم حينها كانوا يقولون إن كل الأمور بخير، وبعدها وعندما التقوا في مزفران (يقصد لقاء التنسيقية) أصبحوا يقولون إنه لا شيء يمكن أن يتحرك، ثم كيف يمكن الجمع بين جاب الله وحمروش على طاولة واحدة، أين هي وجوه الاتفاق، لقد التقوا كأجساد ولكن كأفكار وماضي وحاضر ومستقبل لا يمكن أن يلتقوا، برأيي لقاء مزفران هو تعطيل للمعارضة حتى لا تتقدم لأنه وببساطة وبلغة المنطق لا يمكن للتر والكيلومتر أن يلتقيا، أضف إلى ذلك الموجودين في المعارضة اليوم مسؤولون عن نسبة كبيرة من المشاكل التي تعرفها البلاد لأنهم كانوا مسيرين سابقا.
هل تبقى هناك حلول بيد السلطة لمواجهة المستقبل؟
هناك احتجاجات منطقية وشرعية ومن حق المواطنين الاحتجاج في إطار القانون إذا كانت الاحتجاجات ذات طابع اجتماعي، لكن الذي نخاف منه هو الاحتجاجات المبنية على أجندات سياسية داخلية وخارجية لضرب استقرار البلاد، والسلطة حاليا إذا كانت هناك احتجاجات مستقبلا فستجد لها حلا، وسبق وقلت إن الاضطرابات لن تؤثر كثيرا حتى ولو أن الأزمة ستستمر ثلاث سنوات، وعلى الدولة التوجه إلى اقتصاد متنوع يمكن من قفزة مهمة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
النقابات المستقلة تقرأ قرارات الحكومة
التقشف يستثني قطاع التربية لكونه يمتص 80 بالمائة من الجامعيين
ترى، نقابات التربية المستقلة، أن استثناء قطاع التربية الوطنية من عملية تجميد التوظيف على خلفية انهيار أسعار البترول، من أجل المحافظة على "السلم الاجتماعي"، لأن القطاع يعد بمثابة الحقل المهيأ للانفجار في أي لحظة، لأنه ساهم منذ سنة 2008 ولايزال يساهم بنسبة 80 بالمائة في عملية امتصاص البطالة المسجلة في أوساط خريجي الجامعات، حيث أكدت عدة دراسات بأن قطاع التربية يعد "المضمد الوحيد" لعدة حركات احتجاجية من جهة، كيف والمؤسسة الجامعة تنتج سنويا "بطالة نخبة"، ولولا قطاع التربية الذي يستوعب الجامعيين بشكل كبير لظلوا طوال حياتهم "بطالين"، ومن جهة ثانية، يعتبر الشركاء الاجتماعيون أن التوظيف في التربية هو "ضرورة حتمية" لضمان السيرورة العادية للحياة التربوية الذي قيد بشروط وإجراءات صارمة، في ظل العدد الكبير للأساتذة المحالين على التقاعد والشغور الفادح في المناصب البيداغوجية والإدارية.
وفي هذا الصدد، يقول الأمين الوطني المكلف بالتنظيم بالنقابة الوطنية لعمال التربية، قويدر يحياوي إن الحكومة استثنت قطاع التربية الوطنية من قرار تجميد التوظيف السنة الجارية، من أجل محافظتها على ما يعرف "بالسلم الاجتماعي"، كونه قطاعا استراتيجيا، بالإضافة إلى كون المدرسة استثمارا بشريا بحد ذاته، ولا يمكن إدخالها في الموازنة الاقتصادية مهما كان، وعليه فهو الوحيد الذي يمتص ويستوعب أكبر عدد ممكن من الشباب الجامعي البطال سنويا، خاصة بعد غلق المؤسسات الاقتصادية في بداية التسعينيات.
ويبقى قطاع التربية، حسب المتحدث، ملاذ الجامعيين الوحيد في التوظيف، خاصة في ظل غياب سياسة اقتصادية واضحة تستطيع امتصاص البطالة المنتشرة ببلادنا، مؤكدا بأنه في حال إذا استمرت أزمة النفط إلى ما بعد شهر مارس، سوف تلجأ الوزارة مع بداية الدخول المدرسي إلى اعتماد سياسة "التقشف" في فتح المناصب المالية وليس تجميدها نهائيا من خلال إعادة تنظيم الخرائط المدرسية، وذلك عن طريق استغلال الساعات الإضافية للأساتذة، وقد يصل الأمر إلى زيادة "الاكتظاظ" في الأفواج التربوية بسبب زيادة عدد التلاميذ وعدم القدرة على فتح أقسام جديدة، وبناء واستلام المؤسسات التربوية في وقتها وفتح المناصب المالية والتحكم فيها بالقدر الكافي.
من جهته، أكد الأمين الوطني المكلف بالإعلام والاتصال بالمجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني الموسع، مسعود بوديبة، فشل سياسة التوظيف في قطاع حساس كقطاع التربية الوطنية، وأرجع ذلك إلى عدم وضع سياسة واضحة لها، خصوصا ما تعلق بالأساتذة، فمن المفروض أن منتج التوظيف من الأساتذة يكون من خريجي المدارس العليا للأساتذة والمعاهد التكنولوجية السابقة، غير أنه بعد غلق هذه الأخيرة على المستوى الوطني والتقليل من خريجي المدارس العليا، أصبح التوظيف مشكلة في القطاع، بالمقابل أصبح يفتح المجال لخريجي الجامعات في مختلف التخصصات لسد الشغور في مختلف المواد.
غير أن تلك الفئة من الأساتذة تغادر "مهنة التدريس" مباشرة بعد ظفرهم بمناصب أخرى في قطاعات وزارية أخرى، مما أدى إلى ارتفاع نسبة المستخلفين في كل دخول مدرسي، مؤكدا بأن الحكومة لا يمكنها الاستغناء عن التوظيف في قطاع حيوي كالتربية الوطنية، مهما كانت الأوضاع، حتى ولو وصل سعر البرميل من البترول 10 دولار.
ومن هذا المنطلق، يرى بوديبة أن الحكومة مجبرة على حل مشاكل القطاع ولو على حساب قطاعات وزارية أخرى، كونه يعيش أزمة حقيقية بسبب النقص الفادح في التأطير في جميع مجالاته سواء "البيداغوجية" أو "الإدارية"، مؤكدا في ذات السياق بأن المدرسة هي أولوية أولى في سياسة الدولة، لأن الاستثمار الحقيقي يكون في البشر لتجاوز الأزمات.
أما رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، صادق دزيري، فتحدث عن صعوبة وقف التوظيف في قطاع التربية، وأكد بأن هناك قطاعات استراتيجية لا يمكن للحكومة أن توقف فيها عملية التوظيف بهكذا قرار، مثل قطاع التربية الوطنية، لكون تعداد التلاميذ في تزايد مستمر سنة بعد سنة، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الأساتذة الراغبين في الخروج في تقاعد وتقاعد مسبق، مطالبا السلطات العليا بضرورة أن يستثني قرار الحكومة التوظيف في المناصب "القاعدية" في المؤسسات التربوية، بالإضافة إلى موظفي الحراسة، العمال متعددي الخدمات، عمال النظافة والأسلاك المشتركة، مشددا على أن التوظيف في قطاع التربية الوطنية يعد ضرورة حتمية لضمان السيرورة العادية للعملية التربوية.
"الفايسبوكيون" يقدمون مقترحاتهم لحل أزمة انهيار البترول:
"ألغوا منح المجاهدين ورواتب النواب.. وجمدوا وزارة الثقافة والشؤون الدينية"
لم تمر أزمة انهيار أسعار البترول بسلام على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دلا كل واحد بدوله بقائمة مقترحات كانت في أغلبها مهمة حتى وإن كانت هزلية لا تعبر عن رأي أغلبية الشعب، وبدا التساؤل واضحا عن أسباب إعلان السلطة خطة تقشفية و"الشعب لم يعرف يوما الرفاه"، فقد كان ومازال يعاني من أزمات وندرة متكررة حتى في كيس الحليب الذي لم تنجح الجزائر في ضمانه.
وبغض النظر عن الإجراءات التي أعلنتها السلطة، وجد مرتادو الفايسبوك تدابير أخرى هي في اعتقادهم أسهل للتطبيق وضمان راحة المواطن البسيط الذي لا يطلب سوى توفير ضروريات الحياة، ومن بين ما ذكروا وقف ميزانية المجاهدين والشهداء الذين مازالوا يقبضون الملايير من ميزانية الدولة رغم مرور 60 سنة عن الاستقلال، ووقف ميزانية وزارة الثقافة لأنه لا فائدة منها وإلغاء كل التظاهرات الثقافية وإلغاء وزارة الشؤون الدينية "فنحن نعرف الدين بلا وزارة"، وتساءل "كيف يمنح لفنان يغني ساعتين 20 مليارا"، واقترح آخر، وقف منح الأموال الطائلة التي تصرف على "كرة الندم" - يقصد كرة القدم - على حد تعبير أحدهم.
ويرى آخر أن تخفيض رواتب كبار المسؤولين والموظفين الكبار سيحل جزءا من المشكل، بالموازاة مع إلغاء امتيازات النواب والوزراء إذ ترى معلقة أنه يجب تقليص عدد النواب ومنحهم راتب 5 ملايين سنتيم لا أكثر، وكذا تخفيض ميزانيات شركة سوناطراك والوزارات.
وشرح متفاعل مطلع على أحوال البلاد أن الشعب يستفيد من الريع بمستويات مختلفة، وكلما تعقدت الوضعية، كما قلصوا هذه للاستفادة، إذ ستبدأ بوضع حد للمشاريع ذات الطابع الاجتماعي، وتصل إلى رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية، والزيادة في الضرائب، ثم الاقتطاع من الرواتب، حتى تصل الحكومة إلى عدم القدرة على دفع الرواتب، "حينئذ تخفت أصوات الشطاحين والشطاحات" وينتهي المتحدث إلى أن النتيجة ستكون بفرار الذين جمعوا ثروات وهربوها للخارج، "وسيبقى أبناء الشعب في مواجهة بعضهم البعض، هذا هو السيناريو الكارثي الذي لا نتمناه، والذي حذرنا منه منذ سنوات!".
ويعتقد آخر أن الأمور ولتعقدها لن تستقيم ما لم يظهر "المهدي المنتظر" لحلها بحسبه، فيما يعلق آخر ساخرا "الحل في الانتحار"، ويرد عليه متفاعل "ما تشروش الياغورت وكولو اللوبيا".