تشهد الجزائر انتشارا غير مسبوق لداء السيدا عند الأطفال حديثي الولادة، فبالرغم من وضع وزارة الصحة لبرنامج صحي عاجل وجديد لمرافقة الأمهات المصابات بهذا المرض ومنع نقل الفيروس لأطفالهن، حيث أعلنت الوزارة السنة الماضية نجاح 99 امرأة مصابة بالسيدا في وضع أطفال سالمين من المرض، وهذا بعد متابعتهن صحيا قبل، أثناء وبعد الولادة.
مدارس ترفضهم وأولياء يتخلون عنهم
أطفال "السيدا" في الجزائر يولدون بشهادة "وفاة"
يبقى المشكل لدى الأطباء بالنسبة للأولياء الذين لا يصرحون بحملهم للفيروس، سواء عن جهل أو بتعمدهم إخفاء المرض، حيث يكتشف الأطباء حمل أطفالهم للفيروس مباشرة بعد الولادة، وهذا ما يجعل هؤلاء الأطفال عرضة للموت بعد سنوات قليلة من الميلاد، بسبب نقص مناعتهم وضعف أجسادهم.
وبالرغم من الانتقادات التي وجهتها الشبكة الجزائرية للطفولة "ندى" للمدارس ودور الحضانة التي ترفض استقبال الأطفال المصابين بالسيدا خوفا من انتشار المرض، غير أن الكثير من المدارس ترفض تسجيل هؤلاء الأطفال، ما دفع وزارة الصحة إجبار الأولياء على إخفاء المرض لتمكين أطفالهم من الدراسة.
وحسب إحصائيات الجمعية الجزائرية للوقاية والتحسيس ضد السيدا فإن أكبر نسبة للإصابة بهذا الداء تسجل عند الأطفال مجهولي النسب، والذين يتم الزج بهم في مراكز الاستقبال، حيث يتم التخلي عنهم من طرف أوليائهم، بينما تعجز مراكز الإيواء وحتى الجمعيات ضمان تمكينهم من المتابعة الصحية في المستشفيات، خاصة في المناطق النائية، ما يؤدي إلى وفاة هؤلاء الصغار في سن مبكرة.
وإذا كان مستشفى القطار بالعاصمة وحده يتكفل بأزيد من 200 طفل مصاب بالسيدا، ويستقبل 08 حالات جديدة شهريا، فإن العدد أكبر بكثير في باقي ولايات الوطن، أين يولد أطفال "السيدا" ويموتون في صمت، حيث يدفع هؤلاء الرضع الذين لم يتسن لهم "الحياة" ثمن خطيئة أوليائهم، الذين كان بمقدورهم إنقاذ أطفالهم بالمتابعة الصحية.
200 طفل يزاولون العلاج و08 حالات جديدة شهريا
مستشفى القطار..الشاهد الأكبر على انتشار السيدا وسط الأطفال
كشف رئيس الجمعية الوطنية لوقاية ومحاربة السيدا، ورئيس مصلحة طب الأطفال بمستشفى القطار الدكتور أحسن بوفنسية عن استقبال ثماني حالات جديدة شهريا لأطفال مصابين بالسيدا، وأضاف أن مصلحته تتكفل بعلاج 200 طفل، حيث دق ناقوس الخطر حول التزايد المخيف لهذا الداء في الجزائر خاصة وسط الأطفال.
قال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة السيدا، إن الحاجة أصبحت ماسة لتفعيل الجانب الاجتماعي، في ظل نقص الوعي واللامبالاة، حيث يرى أن الممارسات غير شرعية للجنس تفتحت وبشكل مريب على العالم الخارجي ومهدت التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي عبر الأنترنت لذلك الأمر الذي جعل في الآونة الأخيرة داء السيدا يجد مناخا للتطور في غياب الوعي القانوني و الحس المدني، وأوضح الدكتور أحسن بوفنسية، أن الأمم المتحدة اتخذت الجزائر كعينة من ضمن البلدان التي أخذت على عاتقها محاربة داء السيدا من خلال العلاج المجاني والتغطية الطبية وبطاقة الشفاء للضمان الاجتماعي من خلال استراتيجية كنموذج متكامل في مجال الوقاية والنوعية، حيث فتحت وزارة الصحة 50 مركزا لعلاج مرضى فيروس الأيدز عبر القطر الوطني، غير أن المشكل حسب ذات المتحدث يتعلق بلامبالاة الجزائريين، وانتشار ممارسة الجنسية خارج الزواج.
250 امرأة مصابة بالسيدا تعرضت للطلاق والأطفال يدفعون الثمن
وأضاف محدثنا أن 25 بالمائة من المصابين بداء السيدا نساء متزوجات أي ما يعادل 250 امرأة عبر القطر الوطني، انفصلن عن أزواجهن بالطلاق، حيث قررت اللجنة الوطنية لمكافحة الداء أن تنتهج مستقبلا التحليل "السيستيماتكي" لدم المرأة المقبلة على الزواج أو المرأة الحامل، باعتبار ذلك حماية لحقوق الطفل من خلال تفادي انتقال العدوى إليه، خاصة وأن الجزائر أمضت على اتفاقية بلوغ الألفية التي تتضمن حماية الأمومة والطفولة.
بهلولي عدم تصريح الأولياء بإصابتهم بالسيدا جريمة
أكد الأستاذ إبراهيم بهلولي أن سكوت الأولياء على إصابتهم بالسيدا يعتبر جريمة في حق الأطفال، وإخفاء المرأة عن إصابتها بالأمراض المعدية جنسيا و قيامها بعلاقة جنسية شرعية أو غير شرعية دون إعلام الطرف الآخر تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، مشيرا أن أي علاقة يشارك فيها الجنسين بنقل داء قاتل يعاقبان عليها حسب المادة 42 من قانون العقوبات التي تنص على أنه يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا، ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
ودعا ذات المحامي كل متعرض للعنف مهما كان نوعه الخضوع للفحوصات الطبية حتى لا يصبح شريكا متواطئا في نقل الأمراض المعدية.
مختص في علم النفس
عبارات الشفقة تدمر الجهاز المناعي لطفل السيدا أكثر من المرض
أفاد الأستاذ في علم النفس بجامعة الجزائر، محمد حامق، بأن الأطفال المصابين بداء السيدا في حال جهلهم لحقيقة مرضهم ومدى خطورته بإمكانهم مواصلة حياتهم بشكل طبيعي، وتقتصر المعاناة في هذه الحالة على أهلهم، أما في حال كان الطفل في سن العاشرة وواعيا بخطورة مرضه فسيحرم من العيش كباقي الأطفال، خصوصا وأن ضبابية العلاج والآلام والمضاعفات المصاحبة له تزيد من أوجاع الطفل المصاب، وأضاف محدثنا بأن نظرات وعبارات الشفقة التي تصدر من المحيطين بالطفل المريض تدمر جهازه المناعي أكثر مما يدمره المرض، وقد تكون سببا رئيسيا وراء تدهور الوضع الصحي للمصاب وعدم استجابته للعلاج.
مختص في علم الاجتماع
الأطفال المصابين بالسيدا تذكير للمجتمع بالانحرافات الموجودة فيه
صرح الأستاذ والمختص في علم الاجتماع، حنطابلي يوسف، بأن داء السيدا يعد إدانة المجتمع لذاته من خلال إدانة الآخر لأنه مرتكب الخطأ، فبهذه الطريقة يحاول إبعاد الشبهة، لذا يعامل الأطفال المصابين بالسيدا كمعاملته للأطفال الغير شرعيين فهي نفسها، أي أن كليهما ينظر إليهما كخطيئة بالرغم من أنهم ليسوا مذنبين، واستطرد المختص بأن المشكل لا يكمن في الطفل بحد ذاته، إنما اعتباره كتذكير للمجتمع بالانحرافات الموجودة فيه، فهم يشكلون صدمة الوعي لديه فوجودهم يشكل هاجس أخلاقي لديه، وهو ما يعتبر انجراح لضمير المجتمع، وهذا ما يتجسد من خلال نظرة الأفراد وطرق تعاملهم مع هؤلاء الأطفال المصابين.
رئيس شبكة "ندى"
أطفال السيدا يعيشون معاناة دائمة بعد وفاة والديهم
أكد رئيس شبكة "ندى" للدفاع على حقوق الطفل، عبد الرحمان عرعار، أن شبكتهم تسعى باستمرار بالتعاون مع وزارة الصحة والجمعيات الخاصة بمرض السيدا، وقد وصلتهم عدة حالات غير أن المستعصية هي التي يتوفى أوليائهم ويظلوا في المستشفيات فعلاجهم صعب وتسجيلهم في المدارس أصعب، واستطرد عرعار ضاربا مثلا بأحد مديري المدارس رفض تسجيل طفلا مصاب بالسيدا بالرغم من أن هذا الرفض يعاقب عليه القانون، ودعا رئيس الشبكة وزارة الصحة، التضامن، والتربية لضرورة توفير مرافقة اجتماعية للأطفال ضحايا هذا المرض بداية من المستشفى، لكون توابعه الاجتماعية والنفسية أكبر من عواقبه الصحية، في ظل إمكانية بقاء المصاب به لسنوات طويلة على قيد الحياة، وشدد المتحدث على أن وضعهم في مراكز اجتماعية مختلطة يجعلهم عرضة لمضايقات أكبر وبالتالي تزداد وضعيتهم تدهورا.
أطفال"السيدا" محرومون من العلاج في 47 ولاية
كشفت المختصة في الأمراض المعدية بمستشفى القطار، الطبيبة فاطمة الزهراء زميت، للشروق عن معاناة 200 طفل حامل لفيروس السيدا بسبب انعدام مراكز تتكفل بهم عبر47 ولاية، حيث يضطرون للتنقل من ولايات داخلية لمستشفى القطار الوحيد الذي يحتوي مصلحة لاستقبالهم وعلاجهم من الناحية الطبية و البسيكولوجية، وقالت ذات المختصة إن الأمر الخطير الذي يواجه الأطفال الجزائريين مستقبلا هو عدم الكشف الطبي المسبق للأزواج الخاص بفيروس السيدا، قبل حمل الأم، وهو الأمر الذي سيناقش فيه مع وزارة الصحة.
وحسب الطبيبة المختصة في الأمراض المعدية، فإن انعدام ثقافة التعايش مع هؤلاء في المجتمع وخاصة في المدرسة جعل حالتهم النفسية سيئة تستدعي مرافقة طبية وعلاج نفسي داخل المدارس، وأكدت أن 50 بالمائة من الأطفال حاملي الفيروس يدرسون، منهم مقبلين على شهادة البكالوريا، مشيرة أن هناك فئة من الأطفال غير شرعيين مصابين بالسيدا، ولكن غير يكشف عنهم بسبب اللامبالاة، حيث توصلت تحاليل الدم لبعض الأطفال المسعفين في دور الحضانة لوجود حالات لحاملي الفيروس.
الدكتور حميدي :
امتناع الأزواج عن تحاليل الزواج سبب انتشار أطفال"السيدا"
دعا المختص في الأمراض الباطنية، الدكتور حميدي رشيد، الأطباء للالتزام بأخلاقيات المهنة وعدم منح شهادات طبية للزواج بدون الإطلاع على نتائج التحاليل التي يتوجب الخضوع إليها كلا الزوجين بغية التعرف على الأمراض الخطيرة المعدية كالسيدا والتهاب الكبد الفيروسي أو الأمراض الوراثية، والتي قد يصاب بها الأولاد حتى يكونوا على علم بالاحتياطات، وتوصف لهم أدوية مناسبة، وأضاف المختص أن اعتماد هذه التحاليل هو نتاج نضال كبير خاضه الأطباء للحد من أمراض العصر التي تنتقل عبر الدم أو السوائل البيولوجية والأمراض المزمنة التي يتخبط فيها المجتمع الجزائري، غير أن أغلبية الأزواج يرفضون الخضوع للتحاليل ويلجؤون لأطباء من معارفهم للحصول على شهادات طبية مزورة تثبت سلامتهم، مستطردا أن التحاليل ليس الهدف منها إلغاء أو تعطيل الزواج بل التعرف على الأمراض.
الشيخ والداعية نسيم بوعافية:
إخفاء الأولياء لإصابتهم بالسيدا"حرام"
أوضح الداعية وإمام مسجد فرجيوة بولاية ميلة، الشيخ نسيم بوعافية، أن مسألة إنجاب طفل من زوجين مصابين بالسيدا مرهون بالأطباء، ففي حال كان الأطباء متيقنون أن الطفل سيكون مصابا بالمرض واحتمالات وقوع الإصابة به كبيرة جدا، فيقع على الوالدين وزر هذا الطفل والأولى لهما تجنب ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"، أما إذا كان الأمر ضمنيا أي أن احتمال إصابة المولود بالمرض 50 بالمائة فلا حرج في إنجابه. واستطرد الشيخ بوعافية قائلا: "احتمالات المرض واردة في جميع الولادات ومع كل الأطفال غير أن اطلاع الوالدين ومعرفتهم بإنجاب طفل مصاب بمرض كالسيدا وإصرارهما على ذلك، ليظل يتعذب طيلة حياته فلا محال أن وزرهما سيقع عليه".
منع المصابين من الدراسة وغياب التحليلات
المدارس الجزائرية لا تعترف بتلاميذ"السيدا"!
أكد رئيس النقابة الوطنية المُنسّقة لأساتذة التعليم الابتدائي (سناباب) حميدات محمد أن وزارة التربية تركز حملاتها الطبية على مدارس المدن الكبرى، وتُهمل كلية تلاميذ المناطق النائية والجنوب، رغم أن الأمراض تبدأ من هذه المناطق، لوجود سوء التغذية، قلة تجهيز المدارس، الفقر والانعدام الكلي للمتابعة الطبية للتلميذ بالمدرسة، "أحيانا حتى الدفاتر الصحية المتعلقة بالتلقيحات لا يحوزها تلاميذ المناطق النائية، فما بالك بتحاليل الأمراض الخطيرة خاصة الأيدز، فنحن نطالب باهتمام أكبر بتلاميذ المناطق النائية والجنوب والهضاب".
ومن جهته دقّ المُكلف بالتنظيم على مستوى النّقابة الوطنية لعمال التربية (الأسانتيو) قويدر يحياوي، ناقوس الخطر لغياب تحاليل كشف الأمراض الخطيرة بالمدارس، باعتبارها طابو يُمنع الحديث عنه، "..فتلاميذ الأولى ابتدائي يُطلب فقط دفترهم الصحي للتلقيحات العادية، والظاهرة خطيرة لأن التلميذ المريض خطر على زملائه"، وأكّد غياب إحصائيات من وزارة التربية عن التلاميذ الحاملين أمراضا خطيرة وخاصة الأيدز، وطالب المتحدث بإ خضاع تلاميذ الأولى ابتدائي والأولى متوسط والأولى ثانوي لتحاليل طبية قبل تسجيلهم حفاظا على بيئة التمدرس، وبتنظيم تكوينات للمعلمين وخاصة المساعدين التربويين لتعلم طريقة التعامل مع التلاميذ المرضى وتقديم الإسعافات الأولية.
وفي ذات السياق أكد رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ أحمد خالد، انتباه وزارة الصحة مؤخرا لخطر مرض الأيدز على المدارس، وهي تُخضع التلاميذ لتحاليل كشف المرض، لكن الإشكال حسبه يبقى في الأمراض الخطيرة الأخرى، يقول"وزارة التربية تتهاون في الكشف عن بقية الأمراض الخطيرة كالتهاب الكبد الفيروسي، السكري...والخلل يكمن في وحدات الكشف والمتابعة الطبية المتواجدة على مستوى المؤسسات التربوية، التي تبقى بعيدا عن المراقبة... ".