جبهة النصرة أبعدت جزائريين بسبب الخلاف مع قيادة القاعدة المغاربية
سفر جهاديين جزائريين إلى سوريا يقلق دروكدال
«سبع يفوز بها الشهيد كرامة ـ إن كنت ذا لب فقل لي ما هيا* الذنب يغفر عند أول قطرة ـ وأرى المكانة في المنازل عاليا*والقبر يؤمن هوله وعذابه ـ يا فرحة ومن القيامة ناجيا”. إنها أبيات من أنشودة جهادية يتغنى بها الجهاديون العرب في سوريا والعراق كل يوم، وهي عنوان التضحية بالنفس والاتجاه إلى الموت بالنسبة للجهاديين العرب الذين توافدوا بالآلاف إلى سوريا والعراق “من أجل الموت في سبيل الله”، بناء على فتاوى يصفها فقهاء بأنها سطحية بعيدة عن الدين. في الجانب الثاني يجتهد المئات من المختصين في المخابرات لمنع تواصل مسلسل فرار الجهاديين إلى العراق في إطار عملية “مطاردة الأشباح” التي تشنها 9 دول.
الإنغماسيون يحيون تراث الشراة
يقول الإمام الدكتور جمال عزوم، أستاذ الشريعة السابق في جامعة قسنطينة، “من خلال دراستي لفكر الجماعات السلفية الجهادية الحالية أدركت أنهم يحيون فكر الخوارج الأوائل، من خلال استحضار تراث الشراة وهي فرقة في الخوارج كانت شديدة البأس وكانت تنفذ عمليات انتحارية. ويفضل أعضاء الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو داعش تسمية انتحارييهم بالانغماسيين، وهو تعبير تراثي يعود لفترة الفتوحات الإسلامية الأولى عندما كانت الضرورة تقتضي أن ينغمس أحد جنود المسلمين وسط الكفار لكي يثخن فيهم قتلا”.
ويضيف الدكتور جمال “يبني هؤلاء على جواز الانغماس وسط العدو لتبرير العمليات الانتحارية الفظيعة التي ينفّذونها في العراق وسوريا يوميا، والتي تسفر عن قتل مسلمين مثلهم بحجة أنهم مرتدون، أو أنهم روافض شيعة، وقد توسع هؤلاء في فتوى الانغماس لدرجة تنفيذها ضد جماعات سلفية جهادية مثلهم، كما هو الحال في المواجهات مع جبهة النصرة في سوريا ومع فصائل سلفية جهادية أخرى. وتذكرنا هذه الأحداث بمجموعات الشراة الخوارج الذين كانوا يعتقدون أنهم باعوا أنفسهم لله للقتال في سبيله مستندين على الآية الكريمة 111 من سورة التوبة التي جاء فيها: “إن الله اشترى من المؤمنينَ أنفُسَهُم وأموالَهُم بأن لهم الجنّة يقاتلونَ في سبيلِ الله فَيِقْتُلون ويُقْتَلُون وعداً عليه حقاً في التوراةِ والإنجيل والقرآنِ”.
وفي تسجيل فيديو منسوب للدولة الإسلامية في العراق والشام، يقول شاب ليبي كث اللحية قبل ركوبه على متن سيارة لتنفيذ عملية انتحارية ضد قوات سورية أغلب عناصرها مسلمين “إننا سننتصر أو نذوق ما ذاقه حمزة بن عبد المطلب” يقصد عم الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد تحولت فكرة الاستشهاد أو الانغماس إلى ثقافة وسط السلفيين الجهاديين الذين بنوا يقينهم الديني على فكرة إقامة شرع الله في الأرض، ثم إقامة الخلافة الراشدة التي يجوز في سبيلها قتل الأسرى وقتل النفس في عمليات تفجير انتحارية، تستهدف أناس يقولون لا إلله إلا الله محمد رسول الله.
غرباء الرافدين..الجيل الأول من الجهاديين
في إحدى مقابر مدينة الفلوجة العراقية، يرقد جزائريان ماتا قبل أكثر من 10 سنوات في مواجهات مع الجيش الأمريكي، وقد كانا ضمن منظمة التوحيد والجهاد التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي، أحدهما يدعى بنيس عبد الباقي من ولاية تيسمسيلت، يقول شقيقه إنه يحتفظ بوصية شقيقه التي خلّفها قبل تنقله للجهاد في العراق في عام 2003، يقول في الوصية مخاطبا أمه “أسأل الله العظيم أن يرزقني الشهادة وأن يجمع شملي معك في جنة الفردوس مع النبيين والصدّيقين”.
ويقول شقيقه في عام 2004 جاءتنا مكالمة هاتفية من الأردن وكان المتحدث يتكلم لهجة مغربية، قال فيها إن الله رزق عبد الباقي الشهادة، بعدها بأكثر من 7 سنوات علمنا من جهادي جزائري ثاني من العاصمة سجن في الأردن وأفرج عنه في عام 2011 ، أن عبد الباقي دفن في مدينة الفلوجة وقد تكفل بعض السنّة العراقيين بدفنه في جانب من مقبرة خصصت للجهاديين العرب. كان هذا حال الجيل الأول من مؤسسي الدولة الإسلامية في العراق والشام، بدأوا بقتال القوات الأمريكية ثم انتقلوا لقتال الميليشيات الشيعية التي ناصرت المشروع الأمريكي، ثم تطور الأمر إلى قتال بين السنّة والشيعة. أما اليوم، فإن الجهاديين المغاربيين يلتحقون بما يعتقدون أنها دولة الخلافة الراشدة أو الدولة التي تدار على منهاج النبوة.
ويسمي هؤلاء أنفسهم “غرباء الرافدين” ويلقبون بالمهاجرين الأولين، إنهم آخر الجهاديين الذين بقوا على قيد الحياة في تنظيم القاعدة في العراق أو دولة العراق والشام الإسلامية. ورد ذكر “غرباء الرافدين” أو المهاجرين الأولين في بيان لتنظيم دولة العراق والشام نشرته شبكة حنين الإسلامية عام 2010، قبل أكثر من عام من اندلاع الحرب في سوريا، وتضمّن البيان نعيا لمقتل المجاهد “سلمان المهاجر” وتضمن تعريفا به، حيث قال “جاء من بعيد من أرض الجهاد أرض الجزائر وجاهد بماله ونفسه 6 سنوات واستشهد مقبلا غير مدبر” ولم يوضّح البيان الهوية الكاملة لسلمان المهاجر سوى أنه جزائري.
وتشير مصادر أمنية إلى وجود ما لا يقل عن 15 مقاتلا جزائريا في العراق لا يزال مصيرهم مجهولا، منهم أحد يدعى كمون خالد رشدي من ولاية تبسة. وأطلقت مصالح الأمن الجزائرية لقب المنسيين على من بقي في العراق، وانقطعت أخباره وهم جهاديون من دول عربية عدة، منها الجزائر. وتنقّل بعضهم في عامي 2003
و2004 لقتال القوات الأمريكية، ورغم الأهوال التي مرت بتنظيم القاعدة في العراق ومقتل المئات من الجهاديين العرب، الذين كانوا القوة الضاربة لتنظيم القاعدة في العراق، فإن عددا قليلا من الجزائريين والمغاربة ومن جنسيات أخرى يلقبون بالغرباء والمنسيين والمهاجرين الأولين ما يزالون على قيد الحياة.
وتشير بعض الأنباء إلى أنهم تقلدوا مناصب قيادية في الفصائل السلفية الجهادية في سوريا وعلى رأسها دولة العراق والشام الإسلامية. والشائع أن دولة العراق والشام الإسلامية لا ترحب حاليا بالجزائريين، رغم وجود عدد منهم فيها ورغم أن أحدهم يوجد في مجلس شوراها، وهو المكلف بشؤون المهاجرين ورعاية شؤون الشهداء. وتشير مصادر أمنية تتابع ملف الجماعات التي تعمل على تجنيد الجهاديين وإرسالهم إلى سوريا، إلى أن جبهة النصرة أبعدت عددا من الجزائريين عن صفوفها بسبب الخلاف مع قيادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وقد عاد بعضهم إلى تونس وشمال مالي وتعمل مصالح الأمن على تعقبهم.
محققو الـ “دي آر آس”..صيادو الأشباح
في حي بن عكنون الراقي بالعاصمة الجزائرية، تقترب سيارة رباعية الدفع مصفحة من حاجز للجيش يتمركز بالقرب من المقر العام لمديرية الاستعلامات والأمن، يسمح لها الجنود بالاقتراب من البوابة الرئيسية بعد أن شاهدوا وجه السائق، إنه المرافق الشخصي للعقيد “م” القائد المسؤول عن تسيير عملية «مطاردة الأشباح” أو عملية مطاردة الجهاديين الجزائريين الراغبين في التوجه للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش”. كان لهذا الرجل الفضل في منع “تهريب” أكثر من 200 جزائري إلى سوريا منذ عام 2011، كما أن مصلحته تراقب نشاط ما لا يقل عن 300 جزائري ينشطون ضمن تنظيم “داعش” وفي صفوف جبهة النصرة.
حاولنا الاقتراب من أي مصدر للمعلومات حول نشاط مجموعة الضباط المسؤولين عن مراقبة شبكات تجنيد المقاتلين، إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل واكتفينا بجمع معلومات من مصادر قريبة من المصلحة، لكن دون الوصول إلى الجهة الأمنية التي لها صلة مباشرة بالملف، وتنشط هذه المجموعة في أغلب الولايات، حيث تراقب على مدار الساعة ما لا يقل عن 8 شبكات لتهريب الجهاديين إلى سوريا والعراق تنشط في عدة مناطق بالجزائر.
وقال مصدر مقرب من المصلحة، إن الشبكات الثماني تتوزع عبر العاصمة، حيث تنشط مجموعتان من دعاة “الهجرة إلى دار الخلافة” وهو الاسم الجديد لشبكات تجنيد المقاتلين، وفي وهران تنشط مجموعتان أيضا وتتوزع المجموعات الأربع الأخرى على ولايات الجلفة والوادي وسطيف وعنابة، وينحدر أغلب الجهاديين الجزائريين الموجودين في سوريا من الجزائر العاصمة والوادي.
ويقول مصدر أمني رفيع، إن العقيد “م” يدير منذ سنتين عملية «مطاردة الأشباح”، وهي عملية مشتركة بين 9 دول معنية بمكافحة نشاط تجنيد وتهريب الجهاديين للقتال في سوريا. وقد اتفقت كل من الجزائر والمملكة المغربية وتونس وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، على تنشيط التحقيقات المشتركة وتبادل المعلومات لتفكيك خلايا تجنيد الجهاديين للقتال في العراق وسوريا. ويقول مصدر أمني آخر، إن الدول التسع تتبادل يوميا معلومات في غاية السرية حول نشاط هذه الشبكات، من أجل تفكيكها ومنع عمليات تسفير المقاتلين إلى سوريا من غرب أوروبا والمغرب العربي. أما سبب التنسيق بين الدول التسع، فهو بسيط لأن طريقي الهجرة من دول غرب أوروبا والمغرب العربي إلى سوريا والعراق يتقاطعان معا، وتعمل خلية من أكفأ ضباط المصلحة المركزية لمكافحة الإرهاب في مديرية الاستعلامات والأمن على متابعة التحقيقات حول شبكات تجنيد الجزائريين للقتال في سوريا والعراق.
هكذا يصطادون “الأشباح”
يسمون عملهم باسم “صيد الأشباح” والشبح بالنسبة لمحققي “الدي أر.أس”، هو الناشط الخفي أو الهدف الخفي، وبسبب طبيعة شبكات التجنيد وامتداداتها الدولية، فإن أهم عنصر في التحقيقات هو ما يسمى “ضابط الارتباط” وهو ضابط يؤمّن الاتصال مع أجهزة أمن الدولة. يقول مصدر أمني على علم بطريقة صيد المرشحين للسفر إلى العراق أو سوريا: “يكون المحققون على علم بأن مجموعة تنشط في مجال الدعوة للالتحاق بالمجموعات السلفية الجهادية، في سوريا والعراق عن طريق عمليات مراقبة الناشطين عبر منتديات جهادية وشبكات التواصل الاجتماعي، لكنهم يحتاجون إلى أدلة قاطعة وإلى صيد الأشباح وهم الشباب المرشح للذهاب إلى سوريا والعراق، وتتم أغلب عمليات إيقاف المجندين للقتال في سوريا في المراحل الأخيرة”. ويقول مصدرنا الأمني: “في كثير من الأحيان تتوقف التحقيقات حول شبكات التجنيد، والسبب دخول المجموعة في حالة سبات، حيث تتلقى أوامر بتوقيف نشاطها من سوريا أو من العراق، بعد تداول أخبار حول تفكيك مجموعة تقوم بتهريب جهاديين في بلد من البلدان”، ويضيف مصدرنا: “نحن نبحث في كل تحقيقاتنا عن الرأس المدبر لعمليات التجنيد أولا ثم عن المجموعة كاملة، حيث نحتاج لإيقاف المجموعة كلها بما فيها “الأشباح ومجموعة الدعوة ومجموعة تأمين الرحلة”.
ليبيا محطة إجبارية لـ 90 بالمائة من الجهاديين
يتوق أغلب أنصار التيار السلفي الجهادي في العالم إلى حمل لقب “مهاجر” ومعناه أنه بات من المجاهدين في سوريا أو العراق، ولكن قبل حمل هذا اللقب يحتاج الجهادي السلفي للمرور بعدة مراحل، تمهيدا للوصول إلى أرض الرباط وهي سوريا والعراق.
وتنقسم مجموعات تجنيد وترحيل الجهاديين إلى سوريا والعراق، إلى 3 فئات، الأولى متخصصة في الدعوة التي تتم في الدول التي تتساهل مع الجماعات السلفية الجهادية، وذلك في المساجد وفي الجامعات. أما في الدولة المتشددة مع هذه الجماعات مثل الجزائر، فإن الدعوة تتم بأحد طريقين، إما بالدعوة الفردية السرية،حيث ينشط الدعاة بشكل سري عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات السلفية الجهادية. ويقول مصدر مطلع إن كل هذه المواقع تخضع للمراقبة الأمنية على مدار الساعة عن طريق خبراء في المعلوماتية جزائريين وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأمريكية، التي تمتلك قدرات تكنولوجية لمراقبة شبكة الإنترنت. أما المرحلة الثانية فهي الترحيل أو التهريب، حيث تسلم جماعة الدعوة المرشح للهجرة إلى سوريا إلى جماعة ثانية تقوم بتأمين رحلته من بلده إلى سوريا.
وتعمل المجموعة الثانية على توفير جواز سفر ووثائق مزورة للمهاجر، ثم في النهاية يتم تسليم المهاجر إلى مجموعة التسلل وهي المجموعة التي تتكفل بالمهمة الأكثر خطورة، وهي تأمين تسلل المهاجر إلى سوريا أو العراق. وتكون هذه المجموعة مسلحة وترتبط عبر شبكة اتصالات معقدة جدا تعتمد على تبادل المعلومات عن طريق الإيميل.
وتشير تقارير أمنية إلى أن 90 بالمائة من الجهاديين من الجزائر وتونس والمغرب وفرنسا وأغلب دول الاتحاد الأوروبي، يمرون بشكل إجباري عبر ليبيا قبل التنقل إلى لبنان أو الأردن أو تركيا، من أجل الوصول إلى سوريا أو العراق. وتفيد مصادرنا الأمنية: “نحن نلعب معهم لعبة القط والفأر، وفي كل مرة يفاجئوننا بأسلوب جديد..في البداية أي في عام 2011 وبداية 2012 كانت عمليات التنقل تتم بصفة مباشرة من الجزائر إلى ليبيا ثم إلى سوريا عبر تركيا، إلا أن السلفيين الجهاديين غيّروا طريقة التنقل وبات الوصول إلى سوريا والعراق يمر عبر عدة مراحل والتنقل عبر أكثر من 4 دول لتضليل أجهزة الأمن”.
دروكدال..من الخلاف مع الظواهري حول سوريا إلى “موالاته” ضد البغدادي
يقاتل جزائريون في سوريا ضمن عدة منظمات سلفية مرتبطة بالقاعدة، أهمها دولة العراق والشام وجبهة النصرة، ومن بين المقاتلين الموجودين في سوريا أعضاء قدامى في تنظيم القاعدة في العراق وآخرون كانوا ضمن منظمة فتح الإسلام التي انتقل مقاتلون منها من لبنان إلى سوريا، وتتشابه أغلب قصص هؤلاء في مأساويتها الشديدة.
بإعلان البيعة للظواهري يكون أمير القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال قد ناصر بشكل غير مباشر خصما قديما للقاعدة في بلاد المغرب، وهو جبهة النصرة التي يتهمها دروكدال بمنافسة القاعدة المغاربية بالسعي لتجنيد جهاديين مغاربيين للقتال في سوريا، وأعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في عديد المناسبات عن رفضه لما تمارسه جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام من دعوة لتجنيد جهاديين من المغرب العربي للقتال في سوريا.
وقالت مؤسسة الأندلس الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إنه لا يجوز للجهاديين والسلفيين من شمال إفريقيا الذهاب للقتال في سوريا طالما توجد جبهات مفتوحة للقتال في الجزائر وشمال مالي. وفسرت حالة العداء المعلنة بين قيادة تنظيم القاعدة في الجزائر وجبهة النصرة وما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام، بأنها تنبع من إدراك عبد المالك دروكدال المكنى أبو مصعب عبد الودود بخطورة وجود جهاديين جزائريين تمرسوا على قتال الأمريكيين والجيش العراقي والمليشيات الشيعية والصحوات في العراق لـ 10 سنوات.
وكان الجهاديون من السعودية ومن اليمن من أوائل الملتحقين بساحات القتال في أفغانستان، للجهاد ضد السوفييت في ثمانينات القرن الماضي، ولهذا كان لهم الدور الأكبر في تأسيس تنظيم القاعدة. وقد سمح التحاق كل الجهاديين الجزائريين الأفغان بالقتال في الجزائر في التسعينات لليبيين بالبروز في تنظيم القاعدة. و يقول عضو تنظيم القاعدة في العراق خالد المعاضيدي في وصف الجهاديين الجزائريين، الذين قاتلو في العراق “لا تكاد تخلو ساحة من ساحات الجهاد من أبناء أرض المليون شهيد”. ويتفق هذ الوصف مع الواقع، حيث تشير مصادر الحركات الجهادية في العراق والشام وأفغانستان والبوسنة، إلى وجود مئات الجزائريين من الذين التحقوا بساحات القتال.
فرنسا تستفيد من حرب سوريا
يقول خبراء أمنيون، أن حملة سرفال في شمال مالي 2013، لم تكن لتنجح لولا حملة التجنيد الواسعة للجهاديين ونقلهم إلى سوريا، حيث لو لم تقم جبهة النصرة في سوريا بتجنيد الجهاديين لتنقل المئات منهم إلى شمال مالي لازدادت مهمة القوات الفرنسية في سرفال تعقيدا .
أدرك عبد المالك دروكدال أن ذهاب الجزائريين للقتال في سوريا لا يعني فقط استنزاف مخزون الجهاديين في الجزائر فقط، بل يعني أيضا حصول هؤلاء على تدريب قتالي وأمني عالي المستوى. وتقلد بعضهم لمناصب مهمة في تنظيم القاعدة الدولي القريب أكثر من جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية في سوريا لاحقا يهدد في نظره موقعه التنظيمي في شبكة المنظمات الإرهابية التابعة للقاعدة.
وقد دفعت هذه المعطيات دروكدال لإصدار بيان عبر مؤسسة الأندلس، الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب في شهر مارس الماضي، دعا فيه السلفيين الجهاديين للقتال في مالي والجزائر.
وذكر نفس الشيء في بيان للقاعدة المغاربية تحت عنوان الوجه الحقيقي للمؤامرة الصليبية على المسلمين في بلاد المغرب، وبيان ثان عنوانه نداء إلى شباب الإسلام التواقين إلى الهجرة في سبيل الله تعالى في مغرب الإسلام عامة وتونس خاصة”، إلى أنه لا يجوز للشباب المسلم أن يهاجر في سبيل الله من دون إذن أو أمر القيادة الداعية المجاهدة” حيث وحسب البيان لا يرجع البت في أمر الهجرة في سبيل الله إلى التقديرات الشخصية، وإنما يوكل ذلك إلى قيادتها لداعية المجاهدة التي لها دراية والمقصود بالقيادة هو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب.
وذهب البيان إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قال بصراحة، إن “على الراغبين في الهجرة في سبيل الله، والقصد بها هو التنقل إلى سوريا لقتال نظام بشار الأسد تحت لواء جبهة النصرة، الالتحاق بقافلة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي، حيث احتدم الصراع واشتدت وطأة الحرب على إخوانكم المجاهدين مع الحملة الصليبية الفرنسية على شمال مالي المسلمة أو الجبهة الشمالية في الجزائر، حيث الحاجة أشد إلى الرجال والعتاد بعد عقدين وزيادة من حرب المرتدّين المستفيدين من دعم خارجي لا محدود”.
وتشير تقديرات مصالح الأمن إلى أن عدد الجزائريين الذين التحقوا بجبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، تراجع خلال الأشهر الخمس الأولى من عام 2013 إلى أقل من 80 جزائري فقط، أغلبهم التحق بسوريا عبر ليبيا وتركيا. ويعد هذا العدد الأقل بالنسبة لدول المغرب العربي والعالم العربي، بل وأقل حتى من الفرنسيين. وتشير تقديرات أخرى إلى أن عدد الجزائريين يتراوح بين 200 و300 لكن مصالح الأمن الجزائرية تمتلك معلومات فقط عن 80 جزائريا مفقودا يعتقد أنه موجود في سوريا وهو على قيد الحياة.
وبالنسبة لأكثر من 30 آخرين تشير تحريات مصالح الأمن، إلى أنهم قتلوا لكن لا دليل على مقتلهم سوى تحريات الأمن، ومن بين هؤلاء جزائريون يحملون الجنسية الفرنسية. وفسرت مصادر أمنية تراجع العدد بتلبية أوامر أبو مصعب الذي طلب من أنصار التيار السلفي الجهادي في تونس والجزائر، نصرة الجماعات المسلحة السلفية في شمال مالي والجزائر.
سجون رومية وأبو غريب و«المخابرات الجوية”
تشير مصادر أمنية إلى وجود جزائريين اثنين على الأقل في أحد معتقلات المخابرات الجوية السورية، ويجري حاليا التفاوض سرا بين الجزائر ودمشق لتسليمهما إلى الجزائر من أجل محاكمتهما، بينما قضى جزائريون آخرون سنوات في سجن أبي غريب الرهيب. وتشير مصادرنا إلى أن ما لا يقل عن 3 جزائريين آخرين كانوا في عداد الموتى بالنسبة للسلطات الجزائرية، كانوا محتجزين في أقبية أبو غريب قبل أن تتمكن منظمة الدولة الإسلامية من تهريبهم ضمن عملية الفرار الكبير من سجن أبو غريب.
وتابع الكثير من المهتمين بشؤون الجماعات الجهادية في سوريا مقطع فيديو موجود على موقع “يوتيوب” يظهر إعدام جهاديين في إحدى قرى سوريا لرفيق لهم بتهمة قتل صديقه، ويعد القتيل عنصرا سابقا في منظمة فتح الإسلام وقد تمكن من الفرار من سجن رومية في لبنان ثم تسلل إلى سوريا وانتهى به الأمر بالقتل رميا بالرصاص على يد رفقاء السلاح بعد أن خضع لمحاكمة لم تدم سوى دقائق.
ولا يختلف مصير الكثير من الجهاديين عن مصير القتيل، الذي قضى على يد زملائه. ويقدم جهادي ثاني موجود الآن في سوريا وهو من جنسية كويتية قصة تواجده مع السلفيين الجهاديين في سجن رومية المركزي في لبنان، حيث يحتجز جزائريون، إذ يقول محمد الدوسري أو “أبو طلحة الكويتي” في رواية منشورة في عدة مواقع للجهاديين على الانترنت: “بعد فترة وجيزة من خروجي من الأسر في الكويت دام ما يقارب السبع سنوات، وردني اتصال من المخابرات الأمريكية المركزية، حيث طلبوا مني الحضور إلى السفارة الأمريكية في الكويت، فكان ردي لهم أنه لا مانع لدي من ذلك، شريطة أن يستصدروا لي ترخيصاً بذلك من وزارة الخارجية الكويتية، فضحك المتصل الأمريكي مستهزئاً قائلاً: أقول لك مخابرات أمريكية وأنت تقول تريد إذناً من الحكومة الكويتية”. وتابع مهدداً: إذا لم تمتثل لطلبي، فانتظر مصيراً كمصير صاحبك أبو الليث الليبي”. وتابع الدوسري: “اضطررت للفرار إلى لبنان، حيث تمَّ أسري من قبل مخابرات الجيش بعد دخولي من مطار بيروت بساعات قليلة، حيث تمّ اقتيادي إلى أحد المراكز التابعة لهم في بيروت وخضعت للتحقيق هناك ما يقارب الستة أشهر، والأمر اللافت هنا هو أن أسئلة المحققين تركزت في غالبيتها حول ما يخص الأمريكان ومصالحهم، بعدها تمَّ نقلي إلى سجن رومية في بيروت، وتوقعت أن أجد إخوة سلفيين مخلصين، لكن الواقع أذهلني ونسف ما كنت أرسمه في خاطري، إذ فوجئت بسلوكيات لبعض الإخوة المأسورين هناك، لم أعهدها في أي من ساحات الجهاد ولا في معاشر الإخوة والمجاهدين، من سوء تعامل بين الإخوة وقلة الاحترام، وادعاء البعض منهم ما ليس له به حق أمام الإخوة، فبعضهم يدعي أنه أمير الشام، وآخر ينازعه فيها، والمهاجر لا ينبغي له أن يجالس الأمراء إلا بميعاد ؟؟؟”.
ويذكر الجهادي أنه حاول الهرب لأول مرة قبل سنتين من المبنى (ب) “إلا أنها كانت محاولةً يائسة صادمة لي، هي كذلك ليس لأنني أخفقت في الهروب، بل لأن من سعى لإفشالها بعض من كنت أعتبرهم إخوة مع أسفي الشديد، كنت قد عقدت العزم أنا وبعض الإخوة بعد التوكل على الله عز وجل، بنية الهروب، غير أن واحداً ممن يعتبر نفسه علماً من أعلام الجهاد، ويدعى وسيم عبد المعطي، أبلغ مشغِّليه وأولياؤه من المخابرات اللبنانية بالأمر عن طريق آخر، هو أيضاً يتستر تحت عباءة الدين والدين منه براء، هو المدعو إيهاب البنا، وهناك بعض من كانوا يسمون بطلبة العلم، ويدعون لأنفسهم فضلاً على الإخوة في ساحات الجهاد، قد أصدروا فتاويهم في منع الإخوة من الهروب من ما يعرف بـ طابق الإرهاب حيث هم، مشيرين إلى من يفكر بالهروب بضرورة البحث عن مكان آخر للهروب منه، وإذا ما انكشف لهم أمر أخ لديه هذا التفكير سارعوا إلى نقله لمكان آخر مشهود له بسوء المقام”.
وتتفق هذه الرواية مع رواية ثانية نشرت في مواقع الكترونية مقربة من القاعدة، حيث يشير سلفي ليبي يدعى مجاط حمودي إلى سوء المعاملة في معسكرات جبهة النصرة ويقول حمودي: “كنت أقاتل ضمن كتيبة المنصورين التي كانت موجودة في ريف إدلب وكان أمير المجموعة يدعى قيلبة عمار، وكان من حلب وكان يرغمنا على الصوم لعدة أيام رغم أن بيننا ليبي يدعى عبد المجيد الواتي كان يعاني من جروح فارق على إثرها الحياة، وقد قام قيلبة واسمه الحركي أبو عمر بتصفية مجاهد من الأردن رفض التسلل إلى موقع لقوات الجيش السوري بمفرده وطلب كمية إضافية من الذخيرة، وقد كان أبو عمر يجردنا من الذخيرة من الغنائم يوميا”.
كلمات دلالية :
الجزائريين في سوريا والعراق