القرآن الكريم هو الّذي سيعرّفنا معرفة صحيحة وعميقة بربّنا سبحانه وتعالى، فيتغيّر تبعًا لهذه المعرفة تعاملنا وتقديرنا للقرآن ويُعيد تشكيل علاقتنا بالحياة، حيث ستصغر الدّنيا في أعيننا وتهون علينا، كما أنّ القرآن هو الّذي سيزهّدنا في النّاس ويشعرنا بأنّهم أمثالنا فقراء إلى الله لا يملكون لنا نفعًا ولا ضرًّا، فيؤدّي ذلك إلى قطع الطّمع فيهم أو الرّغبة فيما عندهم.
غير أنّ ظروفًا حياتية كثيرة حالَت وتحول بيننا وبين الاهتمام بالقرآن العظيم: قراءة وفهمًا وتدبُّرًا وعملًا وجهادًا وتبليغًا، حيث المشاغل الحياتية والهموم الأسرية والأوجاع المجتمعية والمصائب العالمية الّتي لا تدع للإنسان فرصة للعيش السّعيد أو القرار الهادئ المكين.
ولا مخرج لنا أو نجاة من كلّ هذه الظروف الصّعبة إلّا بالرُّجوع إلى كتاب الله، ولَن يتأتّى لنا فهم كلام الله إلّا إذا اقتربنا من الله سبحانه وتعالى، حتّى نفهم مرادات الله من كلامه ومقاصده من تشريعه، وغايته ممّا يحلّل أو يحرّم. وذلك من خلال
التِّلاوة الصّحيحة، وذلك بأن نتلوه تلاوة صحيحة، وفي القرآن الكريم ما يدلّ على هذا الوجوب: ”إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ” النّمل:91-92.
الحِفظُ، وهو أساس مترتّب على حُسن التِّلاوة وصحّتها، وحفظ المسلمين للقرآن هو طرف من تحقيق وعد الله تعالى بحفظ هذا الكتاب: ”إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحِجر:9.
الفهم، فإذا قرأ المسلم القرآن الكريم وأتقن القراءة، وحفظه وأتقن الحِفظ، فأحرى به أن يكون له وقفات مع آياته وقصصه وقيمه ومقاصده وغيرها. قال الله تعالى: ”أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا” النِّساء:82، وقال أيضًا: ”أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” محمّد:24.
العمل والتّطبيق، فالمتأمِّل في القرآن الكريم يجد العمل الصّالح مقرونًا دائمًا بالإيمان، قال الله عزّ وجلّ: ”آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحَاتِ” كُرِّرَت في القرآن 48 مرّة. التّبليغ، فبه تتحقّق الربّانية للمسلم، ولن يبلُغ المسلم أن يكون ربّانيًا إلّا إذا تعلَّم ما يجهل، وعمل بما تعلَّم، وعلّم ما تعلَّم، قال الله تعالى: ”وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ” آل عمران:79.
والنّماذج التّبليغية كثيرة ومتنوّعة في القرآن الكريم، منها الرُّسل والأنبياء، ومنها مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون، كلّ هذه النماذج تؤكّد وجوب الدّعوة حتّى مع وجود الأنبياء والمرسلين، فما بالك بعد ذهاب الرُّسل، وبقاء الدّعاة والمصلحين، لا شك أنّ الأمر أوجب والمسؤولية أعظم وأكبر.
كلمات دلالية :
أهمية القرآن