فيستحب للمسلم إذا فرغ من صوم رمضان أن يصوم ستة أيام من شهر شوال؛ لما روى مسلم وغيره عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
ومن كره صومها من أهل العلم لا حجة له في قوله؛ لثبوت السنة في استحبابها من غير معارض أو صارف لها.
وينبغي على المسلم ألا يشدد على نفسه في صومها فيجعل صوم الست بمنزلة الفرض، فإن كان قادراً على صومها ولا يشق عليه أولا يمنعه من القيام بواجب أو الإشتغال بما هو أهم منه صامها، وإن كان يشق عليه أو يمنعه من واجب أو يفوت عليه مصلحة راجحة ترك صومها؛ لأنها سنة.
ومن صام رمضان وستا من شوال كان أجره وثوابه كأجر من صام السنة كلها؛ وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها؛ فشهر رمضان عن عشرة أشهر وستا من شوال عن ستين يوما فيبلغ مجموع ذلك العام كله.
قال صلى الله عليه وسلم: (صيام شهر رمضان بعشر أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة)صحيح. [ صحيح الترغيب والترهيب: 243/1]
ويبتدئ صيام الست من اليوم الثاني بعد العيد ويمتد وقتها إلى آخر يوم من شوال. ويحرم الصوم يوم العيد.
ولا دليل على تفضيل البدء بها في اليوم الثاني بل الأمر واسع في ذلك لعموم الخبر.
وينبغي على المسلم أن يكون فقيها في ابتداء صومها، فإن كان ثم اجتماع للقرابة أو إدخال سرور على الوالدين ونحو ذلك أخر صومها وإلا بادر بها.
ولا يشترط في صيام الست التتابع فمن تابع صومها أو فرقها أول الشهر وأوسطه وآخره أجزأه ذلك. ولا دليل على استحباب متابعتها في الصيام بل يفعل المسلم ما هو أرفق به. وإن كان التتابع غالبا أيسر على النفس.
والصحيح أنه لا يشترط في صيام الست إتمام صوم رمضان، فمن لم يتم صوم رمضان وبقي في ذمته أيام لم يصمها لعذر جاز له الشروع في صيام الست ومن ثم يقضي تلك الأيام الواجبة المتبقية من شهر رمضان؛ لأن قاعدة الشرع في العبادات الموسع في وقتها جواز اشتغال المكلف بالنفل قبل الفرض، ولأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تؤجل قضاء ما عليها من رمضان إلى شعبان؛ لاشتغالها بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين ويبعد أنها كانت تترك صيام الست وغيرها من النوافل بل الظن بها أنها كانت تواظب عليها، ولأنه لم يرد في السنة دليل صريح يدل على اشتراط ذلك، ولأن اشتراط ذلك قد يكون فيه نوع حرج ومشقة على من طال عليه القضاء والشريعة جاءت بنفي ذلك، ولأن الشارع أطلق الثواب في صيام عرفة وعاشوراء وغيره من النوافل ولم يشترط فيه قضاء رمضان وهذا يشعر أن الأصل في حصول ثواب جميع النوافل عدم اشترط إتمام الفرض فلا فرق بين الست وغيرها من النوافل في ذلك لأن باب التطوع واحد، ولأن فضل الله وثوابه واسع فلا يضيق ويشدد على العباد بأمر مشكوك لا يقين فيه، ولأن هذه العبادة لها وقت خاص قد يفوت بخلاف القضاء فوقته واسع طيلة السنة. ولأن مقصود الشارع يتحقق بصوم جميعها سواء قدم القضاء على الست أو أخرها. ومع ذلك فإن الأفضل للمسلم أن يبادر أولا بقضاء الواجب ثم يصوم الست.
أما قوله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا000) فالظاهر أن المراد بذلك: من فرغ من صوم رمضان ثم أتى بالنفل كان له أجر كذا فيكون بيانا لواقع الحال أو خرج مخرج الغالب، ويصدق لغة وعرفا على من صام أكثر الشهر أنه صامه كله كما وقع التعبير بذلك في كلام بعض السلف، وليس المراد فيما يظهر قصره على من صام جميع الشهر أداء أو قضاء، فالحاصل أن هذا الحديث في دلالته إجمال واحتمال فتعين الرجوع في فهمه إلى أدلة الشرع الأخرى وقواعده. وهذا القول مقتضى مذهب جمهور الفقهاء وقال به بعض أهل العلم.
والأظهر أنه لا يشترط في صومها تبييت النية من الليل؛ لأنها تطوع وصيام التطوع لا يشترط فيه ذلك خلافا للفرض الذي يشترط فيه ذلك، فلا فرق في النية بين التطوع المطلق والمقيد؛ لأن الشارع لم يفرق بينهما، ولأنه لا يعرف التفريق بينهما في كلام كثير من الفقهاء، فقد أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:(دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: إني إذا صائم، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس. فقال: أدنيه فلقد أصبحت صائما فأكل).
فعلى هذا من نوى الصوم في النهار ولم يأكل في يومه الذي نوى فيه أجزأه ذلك واحتسب من صيام الست.وفضل الله واسع.
ومن كان معذوراً في شوال لم يستطع صوم الست لسفر أو مرض أو نفاس أو غيره من الأعذار المعتبرة استحب له قضاء الست بعد خروج شوال؛ لأنه يشرع قضاء النوافل لمن كان معذوراً كما ثبت في السنة في مواضع.
أما من ترك صيامها لغير عذر وضيعها تهاوناً وكسلاً فلا يشرع له القضاء؛ لأنه فات وقتها بتفريط منه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.