وبرزت الكتابة المنقبية في فترات مقاومة الاحتلال فيها عنصر الجهاد كحَاجة للتّعبِئة، واستمرّت منهجية المزج بين ما هو حقيقي وخيالي عندنا بعد الاستقلال من خلال بعض مذكّرات المجاهدين أو سِير الشّهداء، أي الحاجة إلى ربط الأجيال بالآباء والأجداد وحماية قيم “الوطنية” في مواجهة ثقافة النّسيان. إذن “الحاجة للعودة إلى العصر الذّهبي الأوّل للإسلام أو الخوف من انهيار القيَم الموروثة الحافظة للأمّة أو البحث عن التّعبئة للجهاد وبعث الوطنية والإرادة في شخصية المواطن، هي عوامل قوّة حضور الخيال وطابع القَداسة في نصوص التاريخ المنقبي - سير وتراجم العلماء والأولياء والمجاهدين -، هذا على مستوى الكتابة والذّاكرة الشّعبية، ولكن هناك ظاهرة أخرى أكثر ضررًا ليس من النّاحية العلمية فقط ولكن تلحق ضررًا بالشّخص الميّت المُحتفى به، إذ تحوّلت أسماء جزائرية تاريخية إلى أسماء عائلية محلية. فظاهرة تأسيس مؤسّسات وجمعيات باسم الشّخصيات الوطنية والعلمية كانت منذ البداية خيانة للّذين يَتكلمون باسمه، فهو تراث للجميع ومِلك عام ولكنّه يُتملّك عائليًا أو من قبل مجموعات انتهازية مصلحية، فحين يصير مثلاً الأمير عبد القادر ملكا للّذين يحملون التّقاييد النّسبية “شجرات النّسب” أو من الجهة الجغرافية نكون أمام شخصية محلية وعائلية وهو في الأصل شخصية إنسانية أو مثل مولود قاسم نايت بلقاسم حين يكون الانتماء إليه بالعِرق والجهة يكون ذلك أخطر على أفقه الإنساني ووطنيته، هذا التّقزيم من العالمية والوطنية إلى العائلة أو الدشرة أو العِرق والجهة هي ما كان يقصده الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: “دَعوها فإنّها مُنتِنة” -جاهلية الافتخار بالعِرق والجهة -، ومثل ذلك الّذين حاولوا أن يجعلوا من فكر مالك بن نبي يَخصّ اتّجاهًا محدّدًا، أو كالّذين يبحثون عن مرجعية في الجزائر يفتقدونها بالعودة إلى الشّيخ ابن باديس، ويشترك مع هؤلاء في “النّتانة” سَعْي كلّ جهة أو ولاية في التحدّث عن علمائهم بقداسة تتجاوز الحقائق التاريخية، ويمكنكم معرفة الضّرر الّذي لحق متصوّفة وأولياء معروفين حين وَرِث طريقتهم الأبناء واعتبروا الميراث الرّوحي ضمن الميراث المادّي في حين أنّه مفتوح للّذي سلك الطّريقة مهما كان جنسه ولونه وجهته.
كلمات دلالية :
“دعُوها فإنها مُنْتِنة”