لعلّ أهم ما يستفيده المسلم من تدبّره وتمعّنه في الكون، هو تلك الصّورة الجمالية والنّظام الدّقيق الّذي يحكم أجزاءه، قال سبحانه وتعالى: {إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر}، وقال أيضًا: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ × وَالشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ × وَالْقَمَرَ قَدّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ × لَا الشّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللّيْلُ سَابِقُ النّهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. وحفاظًا على نظام الكون والحياة من أن تعمّ الفوضى حياة النّاس، أرسل الله عزّ وجلّ رسله مؤيّدين بالوحي الّذي يهدي إلى سواء السّبيل، وكان خاتم الأنبياء سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، برسالة الإسلام: {إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم}. فقد جاء ليصحّح المفاهيم ويقوّم الاعوجاج وينزع الفوضى الّتي عمّت البرّ والبحر، فحارب فوضى الشّرك ومظاهره، ليحلّ محله نظام يدعو إلى عبادة الواحد الأحد، خالق الكون ومدبّره. وفي مجال المعاملات والعلاقات الإنسانية، أعلن أنّ كل فعل أو قول لا تستسيغه الجماعة ولا المجتمع، فهو فوضى ينبغي أن تزول. فالزّنا فوضى في الأنساب والأرحام، والرّبا فوضى في المعاملات المالية، والظلم فوضى في العلاقات الاجتماعية. ولبناء حياة منتظمة مبنية على أساس الاحترام ومعرفة كلّ ذي حقّ حقّه، جاءت أركان الإسلام وقواعده، فالصّلاة الّتي هي عماد الدِّين تصقل المسلم وتربيه على النّظام، نظام في احترام الوقت، في استقبال القبلة، في تسوية الصفوف، في ائتمام المأموم بالإمام.. وهكذا هو الصّيام وباقي أركان الإسلام، بل إنّ الإسلام برمّته جاء لينظّم حياة المسلم على مستوى تفكيره وانشغالاته واهتماماته وبناء علاقاته، وبه ساد الأولون فأعطوا للعالمين دروسًا في فن الحياة من جهة وعشق الجنّة من جهة أخرى.
كلمات دلالية :
النِّظام من ثمار العبادات