أضافت مسودة الدستور، ثابتا جديدا للثوابت الوطنية، التي كانت محصورة في ثلاثية "الإسلام-العروبة- الأمازيغية"، و يتعلق الأمر بالمصالحة الوطنية، حيث جاء في المسودة "تعد قيم السلم والمصالحة من ثوابت الأمة، التي ينبغي لها أن تبذل كل ما في وسعها من اجل الدفاع عنها في ظل احترام الجمهورية ودولة القانون"، ويطلب من الجزائريين "تبني المصالحة، واحترام المبادئ يساهم في الدفاع عن القيم المشتركة".
وتثير خطوة الرئيس بوتفليقة، الذي يوصف من قبل أنصاره على انه "عراب المصالحة الوطنية"، الكثير من علامات الاستفهام لما أراده الرئيس، وهل أراد تخليد نفسه في التاريخ، أم انه قطع الطريق أمام المعترضين على مسعى المصالحة، خاصة المنظمات الحقوقية، التي ترى في المصالحة تكريسا لـ"سياسية اللاعقاب"، مثلما وصفتها أمنيستي.
يشرح رئيس خلية تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الأستاذ مروان عزي، غاية الرئيس بتضمين ديباجة الدستور ميثاق السلم والمصالحة، بالقول "لا ننكر أن هنالك نقائص في المصالحة الوطنية، والحديث عنها بنوع من السلبية، لا يعني تجريم الأشخاص، لكن ما تم اقتراحه يهدف إلى إنهاء تحصين أطراف المصالحة، من التائبين وأعوان الدولة الذين شاركوا في مكافحة الإرهاب".
وعن القراءة التي تتحدث عن إمكانية ترقية المصالحة عبر المقترح إلى عفو شامل، عبر مقترح دسترة المصالحة، يقول عزي "هنالك تدابير وإجراءات أكثر جرأة سيتم اتخاذها من قبل الرئيس، لإنهاء المأساة الوطنية"، ويوضح عزي أن ما كشفه معلومات قد بلغته، وينفي عن الرئيس الرغبة الشخصية من الخطوة، أي أن يقرن اسمه بنجاح المصالحة الوطنية، ويذكر "نجاح المصالحة أمر ظاهر للعيان، ورقم 15 ألف تائب دليل على ذلك... لقد أصبحت التجربة الجزائرية مرجعا عالميا".
أما الأمير السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ، مدني مزراڤ، الذي تلقى دعوة عبر مكالمة هاتفية من احمد اويحيى، للمشاركة في مناقشة تعديل المسودة، فيقول عن المقترح "ما لمسناه من الوثيقة التي بين أيدينا أنها ضعيفة للغاية، لا من حيث التصور والبناء أو العبارات... يظهر من القراءة أن لجنة تقنية تكفلت بها، ولم تعلم أنها تشتغل على أسمى وثيقة في البلاد"، ويسقط مدني مزراڤ حكمه الإجمالي على تعديل ديباجة الدستور بإضافة ميثاق السم والمصالحة الوطنية.
ورغم النقائض التي سجلها مزراڤ، واقترح عوض ذلك المضي نحو ميثاق وطني يفصل في كل المسائل المطروحة، لا ينفي فضل الرئيس بوتفليقة على مسار المصالحة الوطنية، ويقول عنه "هو رجل المصالحة، لقد جلب لنفسه العداوة بسبب المصالحة"، ويؤكد ان المصالحة يجب ان تكون ورقة تطوى لا يجب ان تمزق.
ويجيب اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، عن الموضوع، ويقول لـ"الشروق" أن "الحديث عن السلم والمصالحة الوطنية، يجعلنا نتحدث عن طموحات وأمل مشترك، وأننا نستطيع حقا العيش مع بعضنا البعض"، ويعتقد مجاهد "ان المصالحة الحقيقية هي رضا المواطن عن وضعه المعيشي"، وإن كان ما فعله الرئيس هو محاولة لقطع الطريق على انتقادات المنظمات الحقوقية لسير المصالحة، يرد "الثابت أن المصالحة تعني احترام مبادئ العدل والإنصاف... لما نشاهد احتجاجات الحرس البلدي والباتريوت الذين واجهوا الإرهاب، وبالمقابل إقرار عفو على إرهابيين، كيف ننظر إلى هذا الأمر... ما تقوم به المنظمات الحقوقية كما هو الحال مع أمنيستي أنها تكشف لنا عيوبنا".
كلمات دلالية :
ملف المأساة الوطنية