والآية- كما هو ظاهر- أبرزت موقفين متباينين متعارضين؛ الأوّل: حال العبد الّذي لا يملك مِن أمره شيئًا، بل هو في موقف المنفعل، والمتأثّر، والمتلقي لما يلقى عليه من أوامر ونواهٍ؛ والثاني: حال الحُرّ المالك لأمره، الفاعل وفق هدي ربّه، والمؤثّر فيمَن حوله.
وتشير الآية الكريمة إلى أنّه كما لا يستوي- عقلاً ولا عادة- عبدٌ مملوك لا يقدر من أمره على شيء، ورجل حرّ قد رزقه اللّه رزقًا حسنًا فهو ينفق منه، كذلك لا يستوي الربّ الخالق الرّازق، والأصنام الّتي تعبد من اللّه، وهي لا تبصر ولا تسمع، ولا تضرّ ولا تنفع، ولا تخفض ولا ترفع.
ثمّ إنّ لهذه الآية ارتباطا وثيقا بالآية الّتي تليها مباشرة، وهي قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللّه مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} النّحل:76، و{الكَلُّ} في الآية العالة على النّاس، وفي الحديث: “مَن ترك كَلاً فإليَّ” رواه البخاري، أي مَن ترك عيالاً فأنَا كفيلهم، وأصل (الكَلِّ) الثّقل. و{الأبْكَم} هو الكافر، شُبِّه بذلك لعجزه عن إدراك الحقّ، والانقياد له، وتعذّر الفائدة منه في سائر أحواله.
و{العدل} الحقّ والصّواب الموافق للواقع؛ والّذي {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} هو مثل للمؤمن الّذي وُفِّق لإدراك الحقّ، وهُدي إليه، فعَمَل به، وجاهد لأجْلِه، وعاش صابرًا ومُصابرًا تحت لوائه.
فالعمل العمل عباد اللّه، والجِدّ الجِدّ أخي المؤمن، فاعرف دورك في هذه الحياة، وحدِّد وجهتك الّتي هي مقصدك، وتوكَّل على اللّه فهو حسبُك، واستَعِن باللّه ولا تَعجَز، إنّه نِعْم المولى ونِعْم النّصير.
كلمات دلالية :
أينما يُوجّهه لا يأت بخير