يضطر خريجو الجامعات إلى التنازل عن شهاداتهم في سبيل العثور على أي عمل حتى وإن كان لا يتوافق مع مؤهلهم العلمي الذي قضوا من أجله أكثر من 15 سنة من الدراسة من الابتدائي إلى التخرج.
يعمد الكثير من خريجي الجامعات في ولاية الطارف، على سبيل المثال لا الحصر، إلى البحث عن فرص عمل في وظائف دون مستواهم التعليمي، وظائف مثل التي تشترط مستوى التعليم الثانوي، وشعارهم في ذلك “مكره أخاك لا بطل” بعد يأسهم من مصداقية المسابقات وهربا من “عذاب” عقود الإدماج ذات الراتب المحدود.
تجذرت هذه الظاهرة منذ خمس سنوات بولاية الطارف كما هو الشأن في بقية ولايات الوطن، وأضحى خريجو الجامعات يسعون وراء مسابقات أعوان أسلاك الشرطة والحماية المدنية وأعوان الإدارة بالمؤسسات العمومية، لكثرة المناصب المفتوحة بهذه المسابقات مقابل أجر شهري لا يقل عن 30 ألف دينار.
هذا الأجر يعتبر ضعف ما يتقاضاه الجامعيون في عقود الإدماج الجامعي الذي لا ينتظر من ورائه الترسيم في المنصب، أمام “استحالة” النجاح في المسابقات الداخلية أو الخارجية للمناصب والوظائف التي تشترط شهادات جامعية.
وتحت هذا المبرر وكعينة، تفيد الآنسة ياسمين ذات 39 سنة، وهي مهندسة دولة اختصاص إليكترونيك، بأنها ظلت لفترة 14 سنة رهينة عقود ما قبل التشغيل ثم الإدماج والبطالة وأخيرا شاركت في مسابقة شبه الطبي ورضت بهذا المنصب وتركت شهادتها الجامعية وراء ظهرها.
أما إسمهان، العالية وابتسام، وهن حاصلات على شهادة ليسانس في الإعلام والاتصال، فقد فضلن الالتحاق بمسابقة أعوان الشرطة. واختار الثلاثي أيمن، عصام وعبد الرزاق وظيفة عون بالحماية المدنية، وكثير منهم رضوا بالعمل كأعوان إدارة بالمؤسسات العمومية، مثل مديرية التربية والتكوين المهني والبلديات والدوائر ومصالح الولاية، وكل هذه المناصب أقل بكثير من مستواهم الدراسي.
وبرر هؤلاء تنازلهم عن البحث عن مناصب عمل تتناسب ومستواهم الدراسي ومنافسة من هم أقل منهم مستوى في وظائف لا تتطلب شهادات جامعية، بيأسهم في البحث عن الموجود المفقود، وبالتالي وضع حد لـ”وجع الراس” مع المسابقات التي يؤمنون أنها “مرتبة مسبقا”.
التحرش من بين أسباب عزوف بعض الجامعيات عن العمل في تخصصهن، وهو حال الآنسة أسماء التي تصف حالتها بالمأساة، كونها تنحدر من عائلة محدودة الدخل، تعيش في منطقة حدودية نائية معزولة، تحكمها التقاليد المحافظة المتشددة. أسماء تقدمت للكثير من المسابقات بشهادتها الجامعية كطبيبة بيطرية، غير أن تعرضها إلى التحرش جعلها ترضى بأن تكون عونا إداريا بشبابيك الحالة المدنية لبلدية إقامتها.
وأمثال أسماء كثيرات فضلن ستر التحرش تفاديا للفضيحة في حال التقدم بشكوى إلى المصالح الأمنية، وما ينجر عنها من إشاعات وتأويلات في الوسط الاجتماعي، خاصة أنهن في الغالب ينحدرن من عائلات وعروش تحكمها القرابة والمصاهرة والتقاليد.
أما الشاب عبد النور الذي ينحدر من عائلة ثرية ومتدينة، فرغم تلقيه عروضا بتمكينه من الوظيفة التي يحلم بها من خلاله وضع اسمه على رأس ترتيب قوائم الفائزين في المسابقات مقابل رشوة معتبرة، إلا أنه رفض الانحراف عن مبادئ عائلته واختار التجارة في الأخير.
سياسة “طاڤ على من طاڤ” التي يواجهها الشباب من خريجي الجامعات في ولاية الطارف الحدودية الريفية، لم تشفع معها الشكاوى المدعمة بالتسجيلات الصوتية و«الفيديو”، بل سرعان ما طوقتها تدخلات المسؤولين “لحماية الفاعلين” والتستر على مثل هذه الفضائح، بل وجعلها ورقة ضغط ليتم استغلالها لفائدة تمرير أبناء وحاشية المسؤولين ذاتهم في المسابقات.
كلمات دلالية :
جامعيون يتنازلون عن الشهادة