والتوبة: هي الرجوع والهداية، وسفينة النجاة التي متى ركِبها العبد نجا بفضل الله، فمتى ركبتَ سفينة التوبة، كانت البداية هي ترك كل فعلٍ وقبح، ويأس وفحش، وشهوات وشبهات، وأبحرت إلى شاطئ اللجوء، ومنبع الخير ومبعث الفلاح، وسعادة الدنيا والآخرة وكنت من الفائزين. وإن استشعار القلب للندم، والبكاء على فِعل كل ما هو قبيح، والتوجه إلى الله، والكف عن الذنوب - من علامات صدق التوبة. ولكن كثيرًا ما تتساءل الأنفُس: كيف ولماذا سأتوب؟ البعض يقول: أريد أن أتوب، ولكن حولي الكثير من الفتن والمعاصي، والشبهات والشهوات؛ فأصبح طريق التوبة والاستقامة متعرجًا، به الكثير من الحفر والأشواك، فكيف أعرض عن هذا كله، وأمضي لأركب سفينة التوبة؟
وأنا أقول لك: يا صاحب الصحوة القلبية، أعرِض عن كل هؤلاء؛ فمتى رأيت سفينة التوبة، تمسَّك بها؛ حتى لا تبحر بدونك، فتغرق أكثر في مستنقعات الذنوب. لقد خُلق الإنسان على الفطرة من نقاء القلوب، وصدق المشاعر، ولكن الابتعاد عن منهج الله وشرائعه لوَّث هذه الفطرة وهذا النقاء؛ لذا فتح اللهُ باب التوبة على مصراعيه أمام كل صادق ومقبل على العودة بإصرار لطريق الله.
• حقًّا ستتوبين أيتها النفس؛ لأنك مشتاقة لفطرتك ولقربك من الله تعالى. • ستتوبين؛ لأن الله أمرك بالتوبة، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾.
• ستتوبين يا نفس؛ لأن الله يحب التوابين، ويا سعادة الأنفس التائبة حينما يحبها الله.
• ستتوبين يا نفس؛ لأن سعادتك لن تكون إلا في القرب مِن خالقك. هذا هو صدق التوبة، أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، فلا تجعل من توبتك ساحة لإرضاء المجتمع من حولك؛ حتى يقال عنك إنك ذو خلق طيبٍ، بل افعَلها لله وحده، فاجعل توبتك صادقة خالصة لوجه الله؛ قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾.
فإذا أبحرتْ سفينة التوبة وأنت وسط الأمواج تتصارع عليك الذنوب؛ لتُغرقك أكثر وأكثر، أسرع وبادِر وأحجز لك مقعدًا بها، لتنجوَ بفضل الله، ثم بفضل صدق توبتك والإبحار في عالم توبة صادقة، لكي ترسو بك سفينتك على شاطئ الأمان والفوز.