وبما تركوا من العلم النافع، وإن غابوا عن الأعين في بطون الأرض وهم أموات إلا أنهم لا تزال أسماءهم تتردد على الألسن، فنتساءل ما السر في حياة هؤلاء وما العمل الذي عملوه كي يستحقوا أن تخلد أسماؤهم وإن ماتوا من مئات السنين، مع العلم أنهم لم يؤثر عنهم كثير صوم أو صلاة، فلعل هؤلاء كانت لهم سريرة بينهم وبين خالقهم عز وجل، ولعل السر والدافع الذي جعل السلف يسرون ويخفون أعمالهم، هو الإخلاص في العمل والخوف من عدم القبول، والخوف من الرياء والنفاق وسوء الخاتمة. وليس هناك أخطر على العبادة من الرياء وهو أخوف شيء خافه النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ-رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ " قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ –ذكر منهم- رَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".
ومن أعظم الثمرات التي يحصلها العبد من العبادة في السر أن تورث عنده مراقبة من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وكذا مخافته جل جلاله والحياء منه والتعرف على جلاله وعظمته سبحانه وتعالى ومنها:
1- محبة الله عز وجل والدخول تحت ظل عرشه يوم القيامة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، منهم: وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، ومنهم: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ".
2-تورث الخشية من الله جل جلاله التي بها ينال العبد المغفرة من الله والأجر العظيم:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.
قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا الله، بأنه له مغفرة وأجر كبير، أي: يكفر عنه ذنوبه، ويجازى بالثواب الجزيل".