المرابطين عليها بالغدو والآصال ، فقد ترى رجلاً قلبه معلق بالمساجد ، فلا يكاد إذا خرج من المسجد أن يرتاح لشيء حتى يعود إليه، لأن المساجد بيوت الله ، ومن دخلها فقد حلَّ ضيفًا على ربه ، فلا قلب أطيب ولا نفس أسعد من رجل حل ضيفًا على ربه في بيته وتحت رعايته.
وهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة الذين قال الله فيهم: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَتَكَفَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ ببَيْتَهُ بِالرَّوْحِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إلى رِضْوَانِ اللهِ إلَى الجَنَّةِ))[8].
وهذه الضيافة تكون في الدنيا بما يحصل في قلوبهم من الاطمئنان والسعادة والراحة، وفي الآخرة بما أعدَّ لهم من الكرامة في الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ[9] مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ))[10]
فقلبه كالقنديل المعلق ، حتى ولو كان جسده خارج المسجد ، فهو ينتظر بفارغ الصبر والحب الرجوع والعودة للمسجد ،
فالمساجد بيوت الله ومكان آداء العبادات المفروضة وميدان العلم والتعلم فالمتعلق بالمسجد بعيد عن رؤية المنكرات وقريب من الله تعالى فيصفو قلبه وتنجلي همومه وأكداره ويعيش في روضة من رياض الجنة وبذلك تكفر سيئاته وتكثر حسناته وقد قال تعالى :( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال *رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار *ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ). [سورة النور ] .
وكان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي لله عنها: يشتغل في مهنة أهله يقطع مع أهله اللحم ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويكنس بيته وهو أشرف الخلق ..وتقول عائشة : فإذا سمع الله أكبر ، قام من مجلسنا كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا ....
ففي هذه المساجد ، أمر الله جل وعلا أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه
فمن تعود وأحب الصلاة فيها وسابق إليها في الصف الأول غدوا ورواحا
أول من يَقدم إلى المسجد وآخر من يخرج في الغالب فَرح لمقامه فيها
فهذا من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه..
وملازمة المساجد وكثرة الاعتياد لها صفة لطائفة من الناس من الأخيار يؤتيهم الله من الاستقامة ، فهم لا يتركون صلاةً إلا وصلوها في المسجد وذلك حباً فى صلاة الجماعة وابتغاء رضا الله عليهم وعفوه عنهم وهذا ليس معناه ترك العمل والتفرغ للصلاة فى المسجد ولكن أدى عملك و إذا سمعت النداء حي على الصلاة حي على الفلاح اترك ما فى يدك ولبى النداء.
فهذا الرجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، والقلب ـ عباد الله ـ يتعلق بما عودته عليه، فإن عودته على الطاعة بإخلاص اعتادها ولم يجد أنسه إلا فيها، وإن عودته المعصية وأدمنت فعلها تعلق بها ، فالصالحون إنما يأنسون بذكر الله سبحانه ، لهذا فإنهم متعلقون بأماكن الطاعة ، لا يجدون راحتهم إلا فيها ، إذا غادروها فسرعان ما يشتاقون إليها، هؤلاء ممن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
فانظر يا عبد الله، هل قلبك معلق بالمسجد أم معلق بغيره من أماكن اللهو واللعب؟