التهبت ليلة الإثنين، حرب المفرقعات والألعاب النارية في الشوارع الجزائرية، إلى غاية الفجر، وتحولت الأماكن والأزقة الهادئة إلى ضجة عارمة تدوي فيها “الأبواق”، و”الصواريخ” و”الديناميت”، وتضيء ظلمتها الألعاب النارية، لكن في غمرة هذا الاحتفال الجنوني دفع عشرات الأطفال والمراهقين الثمن بحروق بالغة وإصابات في العيون والأطراف تسببت في حالات عمى وبتر للأصابع، فضلا عن الحرائق التي طالت المنازل أو السيارات والحافلات…
بداية جولتنا كانت من المستشفى الجامعي مصطفى باشا، حيث دخلنا مصلحة الاستعجالات.. ورغم أننا لم نجد إلا 6 ضحايا وهم أطفال ومراهقون، تم تحويلهم في ما بعد إلى مصلحة الحروق بمستشفى الدويرة، إلا أن العاملين في ذات المصلحة أكدوا أنهم ليلة أول أمس، استقبلوا حالات استعجالية لحروق متفاوتة الخطورة، أغلبها في اليد والوجه، وتم علاج بعض الحالات في المصلحة فيما حولت الحالات الخطيرة إلى الدويرة، وإلى مصالح طب العيون، وقدر هؤلاء عدد ضحايا المفرقعات والألعاب النارية الذين استقبلهم مستشفى مصطفى باشا بنحو 200 ضحية أغلبهم أطفال.
200 جريح في مستشفى مصطفى باشا
في مستشفى مصطفى باشا، ما لا يقل- حسب بعض الممرضين في مصلحتي الاستعجالات وطب العيون- عن 200 شخص تعرضوا لحروق متفاوتة الخطورة، وإصابات في العين استدعت عمليات جراحية استعجالية، وفي مستشفى باب الواد “لمين دباغين”، استقبلت مصلحة العيون حالات حرجة لشباب وكهول.. في مستشفى نفسية حمود “بارني” بحسين داي، أكد مختص في طب العيون لدى المصلحة، الدكتور حمود، أنه سُجِّلت صبيحة أمس، 10 حالات إصابة في العيون بسبب المفرقعات لأطفال ما بين 6 سنوات إلى 12 سنة. أما ليلة أمس، فتم، بحسبه، استقبال نحو 40 حالة من بينهم أطفال أجريت لهم عمليات جراحية على إحدى العنينين.
كوارث على العيون والكبار في قائمة الضحايا!
وفي مصلحة طب العيون بذات المستشفى، تسللت “الشروق” إلى قسم الأطفال مع وقت الزيارة، حيث تحدثنا إلى الطفل ميسوم البالغ من العمر نحو 11 سنة، وكانت عيناه متورمتين ومحمرتين، حيث أكد والدته أن المختصين أكدوا لها أنه تعرض لنزيف داخلي، بسبب إصابة عينيه بـ”محيرقة” ليلة المولد النبوي بينما كان أطفال الحي في منطقة الرغاية يلعبون بالمفرقعات.
واستقبل ميسوم في مصلحة العيون لمتابعة العلاج، وفي حالة تأزم حالته سوف يخضع لعملية جراحية.
وإلى جانب ميسوم، كان يرقد طفل آخر في نفس سنه، على السرير، وقد أصيبت إحدى عينيه بإصابة بليغة تطلبت عملية جراحية.
بعدها انتقلت “الشروق”، إلى قسم الرجال، حيث وجدنا شابين يرقدان على السرير، أحدهما يدعى عبد الرحمان عامل يومي يبلغ من العمر 26 سنة، كان مارا من شارع في الكالتوس فأصابه “بوق” ملتهب في عينه اليسرى، وقد خضع لعملية جراحية دقيقة، وفي نفس غرفته، يرقد عبد الرؤوف ذي الـ27 سنة، تاجر في سوق الكالتوس، أصابته “محيرقة” رمى بها أبناء الحي ليلة المولد في عينه اليسرى.
وقد كشف لنا أحد أطباء المصلحة، أن كهلا في الـ45 سنة، كان يلعب بالمفرقعات رفقة أبنائه فأصيب في إحدى عينيه، ما طلب تحويله إلى مصلحة باب الوادي وهو أيضا من منطقة الكالتوس، حيث فقد الرؤية تماما بعينه المصابة.
نظرة من الشرفة تفقد طفلة عينها
بعد انتقالنا إلى مستشفى نفيسة حمود “بارني”، دخلنا استعجالات طب العيون حيث وجدنا الطبيب حمود لا يزال يستقبل ضحايا المفرقعات، حيث أكد أنه استقبل منذ العاشرة صباحا 10 حالات لأطفال ما بين 6 سنوات و12 سنة، في حين استقبلت المصلحة ليلة المولد نحو 40 ضحية، أغلبهم أطفال.
ودخلنا مصلحة الأطفال، حيث وجدنا مراهقة من القبة تبلغ من العمر 17 سنة، وكانت عائلتها ملتفة حولها، حيث أكدت إحدى قريباتها أنها خضعت لعملية جراحية استعجالية، بعد أن تفاجأت بمفرقة تباغتها بمجرد أن أطلت برأسها من باب المنزل في حدود الساعة العاشرة ليلا.
وكان في السرير المقابل لسريرها يرقد طفل في الـ7 سنوات من حي كوريفة بالحراش، فقد عينه بسبب “محيرقة”.
المفرقعات تشعل 13 حريقا في مختلف ولايات الوطن
لم تمر احتفالات المولد النبوي الشريف بردا وسلاما على الجزائريين هذه السنة أيضا، أين شهدت مختلف الولايات حرائق وإصابات مختلفة، تكشف عدم جدوى حملات التوعية التي تخوضها الجمعيات والمؤسسات الاستشفائية، حيث تدخلت مصالح الحماية المدنية لإخماد أزيد من 13 حريقا عبر الوطن وكذا لإسعاف المواطنين.
وأوضحت مصالح الحماية المدنية في بيان لها تلقت “الشروق” نسخة منه، تسجيل وحداتها 13 حريقا عبر مختلف ولايات الوطن، وقد مست النيران المندلعة في الغالب شرفات وغرف المنازل، الأشجار، النخيل، الأحراش اليابسة، وكانت المفرقعات والألعاب النارية المتسبب الرئيسي فيها، لتتدخل وحداتها مباشرة عقب تلقيها نداءات الاستغاثة لإخماد النيران وإسعاف المصابين وإجلائهم للمستشفيات والوحدات الطبية لتلقي العناية الصحية اللازمة.
وأوضح البيان تسجيل مصالح الحماية 9 حرائق على مستوى العاصمة وحدها، خلال الاحتفالات وهذا في كل من بلديات برج البحري، الكاليتوس، القبة، براقي، المقرية، حيث أصيب شخص بحروق خفيفة، وكذا حروق على مستوى بلديات العاشور، باب الواد، وقد أصيب شخص باختناق من جراء دخان الحريق، أما في باقي الولايات، ففي قالمة تدخلت مصالحها لإخماد حريق في منزل ببلدية النشماية والثاني بقالمة، وكذلك حريقين آخرين بالبليدة، الأول شب في حافلة والثاني في سيارة.
21 حالة إصابة جراء الاستعمال المفرط للمفرقعات ليلة المولد بالبويرة
استقبلت مصالح الاستعجالات التابعة للمؤسسات الإستشفائية بالبويرة ليلة المولد النبوي 21 حالة إصابة مختلفة جراء الاستعمال المفرط للمفرقعات منها حالة خطيرة تم تحويلها إلى مستشفى تيزي وزو، فيما تحولت عملية محاربة ظاهرة التجارة الفوضوية للمفرقعات إلى مناوشات وقطع للطريق نتج عنها توقيف 6 شبان بعاصمة الولاية.
وتمثلت أغلب الحالات المسعفة والمحولة إلى مصالح الاستعجالات المختلفة ليلة المولد النبوي في الحروق والجروح، حيث استقبلت مصلحة الاستعجالات بمستشفى محمد بشير بعين بسام 9 حالات منها 6 إصابات بحروق سطحية مست أطراف أطفال صغار وشباب تتراوح أعمارهم بين 3 و27 سنة، وكذا حالة خطيرة تمثلت في إصابة شاب 36 سنة بحروق على مستوى الرأس جراء ضربة بواسطة ما يسمى “البوق”، حيث تطلبت حالته الخطيرة تحويله إلى مستشفى تيزي وزو، فيما 3 حالات أخرى مسجلة مست شبانا جراء الشجار والجري العشوائي، أما باقي الحالات فتوزعت بين بلديات الأخضرية، البويرة، سور الغزلان، وسط استياء من تحول احتفالات بمولد النبي كل مرة إلى سبب في إصابات وحروق قد تكون خطيرة ومصحوبة بعاهة مستديمة، وهو ما دفع بالمصالح المعنية إلى مباشرة عملية تحسيس وسط العائلات بالموازاة مع محاربة ظاهرة البيع غير القانوني للمفرقعات لاسيما بالشوارع.
وفي هذا السياق، تحولت محاولة منع شبان من بيع المفرقعات عبر طاولات بالشوارع من طرف عناصر الشرطة إلى مناوشات بينهم بحي 140 مسكن بعاصمة الولاية، أين أقدم هؤلاء الشبان الغاضبين على قطع الطريق الرئيسي وإشعال العجلات المطاطية ليلا قبل تدخل عناصر الشرطة التي أوقفت 6 منهم قبل أن تطلق سراحهم في اليوم الموالي.
ثلاثة أطفال يفقدون بصرهم وطفلة تتلف سيارة شقيقها بخنشلة
لم تمر ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بسلام، عبر بعض بلديات ولاية خنشلة، بعد أن استقبلت مصالح الاستعجالات الطبية بمستشفيات الولاية، أزيد من 42 شخصا، من بينهم 3 حالات وصفت بالحرجة، لأطفال تراوحت أعمارهم بين 5 سنوات و12 سنة، تعرضوا لإصابات بليغة على مستوى الأعين، وذلك خلال استعمال المفرقعات والألعاب النارية، حيث انفجرت مفرقعة في وجه طفل من الرميلة، وأنفجرت أخرى على طفل من خنشلة، فيما استقر صاروخ في عين تلميذ لم يتجاوز من العمر 7 سنوات. كما تسببت طفلة تبلغ من العمر 9 سنوات، في اندلاع النيران في سيارة شقيقها، والتي كانت مركونة داخل مستودع منزلهم العائلي بالمحمل. وأشارت مصادر صحية بخنشلة، عن إحصاء مختلف مصالح الاستعجالات الطبية بكل من مستشفى خنشلة 01 و02 ومستشفى ششار وقايس، إحصاء أكثر من 42 جريحا أغلبهم أطفال دون سن العاشرة، كانوا قد أصيبوا بجروح متفاوتة في أطراف الجسم.
شموع المولد النبوي تتسبب في اندلاع النيران داخل شقتين بقالمة
سجلت مصالح الحماية المدنية بقالمة، ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، اندلاع حريقين مهولين، داخل شقتين، ما تسبب في إتلاف أجهزة كهرومنزلية بسبب الشموع.
وحسب بيان خلية الإعلام فإن الحريق الأول شبّ داخل شقة متواجدة بالعمارة رقم 05 على مستوى حي المصالحة، بعد أن تركت العائلة الشموع مشتعلة أثناء مغادرة أفرادها للمنزل، ما تسبب في اندلاع حريق مهول أتلف الأجهزة الكهرومنزلية وستائر النوافذ وبعض الأفرشة. ولنفس السبب اندلع الحريق الثاني داخل منزل متواجد بشارع أول نوفمبر بقلب مدينة قالمة، بعد أن تم ترك شموع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مشتعلة فوق ثلاجة، ما تسبب في إتلاف الثلاجة، قبل تدخل أعوان الحماية المدنية لإخماده الحريق وحماية باقي أرجاء المنزل.
احتفالات المولد النبوي ببني عباس ببشار تخلف 6 ضحايا
لقي 6 أشخاص حتفهم في حادثي مرور متفرقين، بعد عودتهم من احتفالات المولد النبوي بمدينة بني عباس بولاية بشار، حيث هلك شاب 18 سنة ينحدر من بلدية العبادلة بعدما دهسته حافلة لنقل المسافرين بالطريق الوطني المؤدي إلى مدينة بني عباس حين كان يجر دراجته النارية بعدما نفد منها البنزين قبل أن تفاجئه حافلة لنقل المسافرين. هذا، في الوقت الذي لقي أربع بنات من عائلة واحدة تتراوح أعمارهن ما بين 24 و10سنوات حتفهن على الفور بعد انقلاب سيارتهن من نوع هيونداي بالطريق الرابط بين إيقلي وبشار قبل أن يلحق بهن شقيقهن الصغير 6 سنوات متأثرا بجروحه الخطيرة رغم مجهودات الطاقم الطبي لمستشفى محمد بوضياف في حين تعرض الأب لكسور خطيرة وهو بمصلحة طب العظام بمستشفى 240 سرير رفقة زوجته التي ترقد في حالة حرجة بمصلحة جراحة المخ والأعصاب. هذا، وقد ووري الضحية صاحب 18 سنة الثرى عشية الثلاثاء بمقبرة العبادلة وسط حزن شديد، وهي نفس الحالة التي كان عليها أقارب وجيران العائلة الثانية بحي الأرصاد الجوية ببشار. هذا، وتشهد احتفالات المولد النبوي الشريف بمدينة بني عباس كل سنة حوادث مرور مميتة جراء السرعة المفرطة أو النوم الذي يغلب على الكثير من الزوار حال عودتهم ليلا من الاحتفالات.
المفرقعات تتسبب في احتراق حافلة وسيارة عشية المولد بالبليدة
شهد حي 5 جويلية ببلدية بوينان إلى الشرق من البليدة حالة من الذعر عشية المولد النبوي الشريف بعد ما تسببت الألعاب النارية في حريق مهول أتى كليا على حافلة لنقل المسافرين وسيارة سياحية.
الحادث سجل مساء الاثنين في حدود الساعة التاسعة والنصف، حيث تحولت الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف بحي 80 مسكن إلى ما يشبه “حرب أهلية” بين عشرات الأطفال والمراهقين، حيث تعالى دوي انفجارات تصم الأذان باستخدام مفرقعات مختلفة الأحجام ، وتبادل العشرات “الضرب” بشكل عشوائي وجنوني لدرجة صار المارة بالشوارع يفرون ويحتمون مخافة أن تصيبهم حسب مصادر الشروق، ناهيك عن كمية الغازات التي خلفتها، وفجأة أصاب أحد الشهب النارية حافلة لنقل المسافرين من نوع هيونداي كانت “معطلة” ومركونة بحظيرة الحي ليتسبب في اندلاع حريق مهول، وزادت سرعة الرياح من خطورته ليأتي على الحافلة كليا وكذا سيارة كانت بجانبها من نوع “شيفرولي اكتيفيا”، ليشهد الحي فوضى عارمة، وسارع الأولياء للبحث عن أبنائهم وتعالى صراخ المواطنين، وتدخل رجال الإطفاء التابعون لوحدة الحماية المدنية ببوينان إلى مكان الحادث وتمت السيطرة على الحريق بعد ما اتلف حافلة المسافرين عن آخرها، فيما تسبب في حريق عجلات السيارة الثانية والتهم إطارها الخارجي.
رئيس الـ”فورام” البروفيسور مصطفى خياطي:
هذا ما فعلته المفرقعات بالأطفال
أكّد البروفيسور خياطي مصطفى، رئيس الهيأة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام”، أنّ آثار المفرقعات هذا العام تراجعت نتيجة قلة الإقبال عليها، غير أنّ هذا لم يمنع من تسجيل حالات عديدة تعرّضت لمضاعفات صحّية نتيجة إصابتها الجسدية المباشرة ومنها الجروح والحروق الجسدية المختلفة وبعض حالات الإصابة على مستوى العين، حتى أن البعض بترت أصابعهم أو أيديهم نتيجة لحظات تهور.
وأوضح خياطي أنّ مضاعفات المفرقعات لا تتوقف على الجانب الجسدي، بل تتعداه إلى جوانب أخرى على غرار إحداث نوبات في التنفس وأزمات قلبية بالنسبة لهؤلاء المرضى المزمنين وذلك نتيجة الغازات السامة التي تنبعث منها وهي عديدة جدا كما أنّها حساسة.
وأفاد خياطي أنّ أكثر الفئات المتضررة من المفرقعات هم الأطفال والمسنين الذين يدفعون الثمن غاليا.
وثمّن خياطي ما وصفه بالتطور الإيجابي في مجال التوعية والتحسيس، داعيا إلى مزيد من الحملات للتذكير بالمخاطر الصحية وتجنبها.