ووري الثرى جثمان الفنان الكوميدي محمد جديد المعروف بهواري بوضو، ظهيرة الإثنين بمقبرة عين البيضاء بوهران، وسط آلاف من المشيعين قدموا من كل حدب وصوب من وهران وباقي ولايات الوطن، ليرافقوا الفنان الذي منحهم الأمل والابتسامة طيلة سنوات، بحضور معتبر لعشرات الوجوه الفنية والرياضية والسياسية، في صورة مصطفى وحزيم بلا حدود، الشيخ فيزازي والمنشد جلول، حميد عاشوري، مراد خان ومطرب الشعبي الباجي البحري، زيادة على لاعبي المنتخب الوطني سابقا في صورة عبد الحفيظ تاسفاوت، علي ميصابيح وبن زرقة الشيخ، وغيرهم، بالإضافة للسلطات المحلية والولائية.
حيث لم تتسع مساحة التشييع للكم الهائل من المواطنين الذين أبوا إلا أن يؤدوا واجب الجنازة، ومواساة عائلة الفنان الذي غيبه المرض الخبيث، وأنهى مسيرته الثرية التي بدأها سنوات التسعينات في الفرقة الفكاهية الشهيرة ثلاثي الأمجاد، وقد تكفل بحمل جثمان المرحوم هواري فرقة خاصة من الحماية المدنية، وسط تكبيرات الحشود التي توافدت على بيت والد الفقيد مع الساعات الأولى للصباح، فكان ثاني أكبر موكب جنائزي تعرفه وهران، بعد جنازة المرحوم حسني، وهي دلالة واضحة على المرتبة الفريدة التي احتلها هواري بوضو في قلوب الجزائريين، غير أن النقطة السوداء الوحيدة هي غياب ممثلي وزارة الثقافة التي لم تكلف نفسها عناء حضور مراسيم تشييع جنازة عملاق الفكاهة هواري بوضو بحجة أن الوزير ميهوبي لا زال في المغرب في إطار مهمة عمل.
قالو عن الراحل
زهير جديد الشقيق الأصغر للراحل يروي اللحظات الأخيرة في حياته:
“هواري نجا من مصيدة الإرهاب في التسعينيات لكنه وقع في فخ السرطان”
“نفذنا وصيته الأخيرة وهذا آخر ما تمناه الراحل”
قال زهير جديد، الشقيق الأصغر للراحل هواري ثلاثي الأمجاد في لقاء مع “الشروق”: “ما زلنا على وقع الصدمة، رغم علمنا المسبق بحالة شقيقنا محمد الميؤوس منها، بعد فترة علاج طويلة دامت نحو سنة بين فرنسا ووهران، كللت بالفشل وكان القدر أسرع ليضع حدا لحياة ليس شقيقي فقط، بل أعتبره شقيق وابن كل الجزائريين لما قدمه طيلة مسيرته الفنية، التي بدأت تسعينيات القرن الماضي، والأكثر من ذلك أنه ضحى بحياته وكان يقطع مسافات طويلة رفقة زملائه الفنانين خلال العشرية السوداء، للمشاركة في الحفلات والمهرجانات التي كانت تنظم في القرى النائية، وكم من مرة نجا من قبضة الجماعات الدموية، أخطرها ما وقع له بالقرب من نواحي ولاية سعيدة، حين وصلت سيارتهم إلى نقطة كانت قبل لحظات قليلة مسرحا لحاجز دموي مزيف انتهى بذبح بعض المواطنين، ولحسن حظه رفقة زملائه في المهنة أنهم لم يسقطوا في شراك الجماعة الدموية ومع ذلك لم يبال وواصل مسيرته من أجل الجزائريين الذين بكوه اليوم، ولا يسعنا إلا أن نترحم على روحه الطاهرة ونسأل الله أن يرزقنا جميل الصبر والسلوان”.
كما أشار زهير إلى اللحظات الأخيرة في حياته التي كانت عبارة عن وصايا وأمنيات، قدمها للمقربين منه في صورة أشقائه وكذا صديقه المقرب عبد القادر عداد، ومن بين أهم ما أوصى به هواري في مستشفى أول نوفمبر بإيسطو، أن يبقى أفراد العائلة ملتفين ومتلاحمين، حتى لا يحدث الشقاق بينهم، كما أوصى وهو يعلم بدنو أجله بتوجيهه مباشرة إلى مسكنه الجديد الذي لم تطأه قدماه بعد، حيث أوصى بتغسيله هناك، وهي الوصية التي نفذها مقربوه حيث تم توجيه جثمانه من مصلحة حفظ الجثث بالمستشفى، نحو مسكنه الجديد بحي الدار البيضاء بوهران. وعن آخر مكالمة بينهما قال زهير إن “شقيقه هواري كان مؤمنا وراضيا بقضاء الله وقدره إلى درجة كبيرة، بحيث كان في كل مرة يتحدث عن فترة ما بعد وفاته، وكانت آخر أمنية صرح بها الراحل، هي اشتهاؤه طبق البيض الطازج، غير أن القدر كان أسرع ولم يتمكن من تناوله، لأنه رحل لحظات قبل موعد الزيارة وتحديدا في الواحدة زوالا.
صديقه المقرب عبد القادر عداد:
“خسرت نصفي الثاني والفن ودع اليوم نجما متواضعا”
رغم ألم الفراق ووجع الموت، إلا أن عبد القادر عداد الصديق الوفي والمقرب لهواري، ظل صابرا محتسبا ولم يرتح إلا وهو ينفذ كل وصايا الراحل، لأنه الوحيد الذي كان يقاسمه السراء والضراء، ولم ينفصل عنه منذ بدايته الأولى سنوات التسعينيات، وحقق رفقته أكبر النجاحات، حتى شبهه الكثير بالثنائي الخالد المفتش الطاهر ولابرانتي، وفي تصريح مقتضب، قال عبد القادر وقلبه يعتصر ألما على فقدان شريك العمل، أحسست بأنني ضيعت نصف جسدي، هواري شقيقي الذي لم تنجبه أمي، وبفقدانه فقد الفن الجزائري عمودا آخر من أعمدة الفكاهة، وسنواصل كما أوصى حمل المشعل من بعده، لأن الرسالة متواصلة ونحتسبه مع الصالحين في جنات الخلد.
حزيم محمد:
تخونني الكلمات في موقف مماثل، أدعو كل الجزائريين أن يترحموا الليلة على روح الفنان محمد الذي وهب شبابه لإسعاد من قهرتهم وحشية الإرهاب، إبان التسعينات، وقدم كل ما في جعبته لخدمة الفن والسينما، كل نفس ذائقة الموت وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المنشد جلول:
ودَعنا أخا وصديقا عزيزا ولعل الحشود الكبيرة التي رافقت جثمانه إلى مثواه الأخير لأحسن دليل على طيبة قلب أخينا هواري الذي أحبه الصغير والكبير وعبر 48 ولاية، ألف رحمة عليه واللهم أرزق أهله وأحبابه جميل الصبر والسلوان.
مراد خان:
نعزي أنفسنا برحيل أخينا هواري الذي ترك بصمته الخالدة في الفن الجزائري، مستحيل أن تمحيها السنوات ونتقدم بأخلص التعازي لكل أفراد عائلته، وأقول أن الفنان لا يموت، بل يبقى حيا في قلوب عشاقه مهما طال الزمن.
علي مصابيح:
هواري عملاق بفنه وعملاق أيضا بأخلاقه وتواضعه وسيترك حتما فراغا رهيبا لن تعوضه الأيام، ولن أنسى وقفته معي الإنسانية حين حاول إرجاعي للساحة بعد محنتي التي قضيتها في السجن فمنحني دورا ثانويا في آخر سلسلة ظهر فيها عيادة حمودة، ولا يفعلها إلا عظيم، نسأل المولى العلي القدير أن يتغمد روحه بالرحمة الواسعة ويرزق أهله وأبناءه جميل الصبر والسلوان.
بختة ويس زميلة الفنان هواري:
“هواري صارع المرض بشجاعة إلى آخر دقيقة وأوصانا بمواصلة المسيرة”
أكدت الفنانة بختة ويس التي رافقت الراحل في أغلب أعماله الفنية، أن هواري رغم هول المرض إلا أنه لم يستسلم وواصل التشبث ببصيص الأمل، بكل شجاعة، ولم يرفع الراية البيضاء بل بالعكس ظل يوصينا بمواصلة حمل المشعل، وإسعاد الجزائريين لأنها رسالة قوية يجب عدم التخلي عنها، ولعل هته الجنازة العظيمة وتوافد الآلاف من أبناء الشعب بكل أطيافه لمواراة هواري لأكبر دليل على المرتبة المرموقة التي احتلها الراحل في قلوب كل الجزائريين بفضل تواضعه وعشقه للفن.
كلمات دلالية :
جنازة، هواري، بوضو، وهران