قال تعالى: "ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنّبوة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون"؛ فالرّبانية بلا شكّ هي صفة حميدة وخلق كريم.
وقد اختلف العلماء في معنى الرّبانيّة فقيل أنّها نسبةً إلى الرّب جلّ وعلا، وأن يكون الإنسان ربّانيًّا معناه أن يكون قريبًا من الله تعالى ملتزمًا بأوامره مجتنبًا لنواهيه، وقيل في معنى الرّبانيّة أيضًا أنّها تربية النّاس على العلم والأخلاق الكريمة والقيم بحيث ينتقلون من مرحلةٍ إلى أخرى في العلم، ومن درجةٍ إلى أعلى في درجات الرّقي الأخلاقي، وقيل أنّ الرّبانيّة هي نسبة إلى الرّبّان وهو قائد السّفينة التي يسير بها ويقودها إلى برّ النّجاة بمن فيها من الرّكاب. وحتّى يحقّق العبد المسلم معنى الرّبانيّة وفق هذه التّعريفات والمعان وحتّى يكون ربّانيًا حقيقة عليه بما سنذكره تالياً في هذا المقال.
كيف أكون عبداً ربانيّاً
أن يسلك المسلم في حياته مسلك ومنهج الصّالحين ممّن سبق؛ فالمسلم يتأسّى برسول الله عليه الصّلاة والسّلام في حياته وتعاملاته، وهو كذلك يقتدي بالصّحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين ضربوا أروع المثل وأكمل النّماذج في الخلق الكريم، والاجتهاد في السّعي لمرضاة الله تعالى.
أن يحرص المسلم على أن يكون قرييًا من ربّه عزّ وجلّ؛ فالقرب من الله تعالى يكون من خلال الاجتهاد في الطّاعات والنّوافل والاستزادة منها، وفي الحديث "ما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنّوافل حتّى أحبّه"، وإذا أحبّ الله تعالى عبده كان معه حيثما كان معيّة تليق بجلال الله وعظيم سلطانه، حيث يجعل الله له نورًا بين يديه ومن خلفه، كما ييسّر له أمره ويوفّقه ويسدّد قوله وفعله.
أن يعظّم العبد المسلم خشية الله في قلبه واستحضار عظمته سبحانه، فالإيمان كما نعلم محلّه القلب، وفي العقيدة أنّ الإيمان يزيد وينقص وبالتّالي على المسلم أن يسعى لزيادة إيمانه بالله تعالى وزيادة خشيته منه من خلال التّفكّر في ملكوت السّموات والأرض، والنّظر في آيات الله الباهرة في الكون.
الانكباب على العلم الشّرعي والحرص على الاستزادة منه وتعليمه للنّاس، وفي الحديث "من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين"، وفي الحديث أيضًا "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه"، وإنّ تحصيل العلم ونشره بين النّاس ممّا يحقّق للإنسان معنى الرّبانيّة الحقّة.
أن يستعظم الإنسان الذّنب وإن صغر، وأن يستهين بالطّاعة وإن زادت؛ فالمسلم يخشى من ذنبه ويجده كبيرًا في نفسه وإن صغر، كما أنّه يستصغر الحسنات التي يقوم بها لطمعه في الاستزادة منها.