فالمؤمن يرى من أخيه ما لا يراه أخوه من نفسه، ثم يخبر أخاه بما رأى كما يعلم شكل وجهه بالنظر في المرآة، ومعنى " يكفُّ عليه ضيعته " أي يمنع تلفه وخسرانه فهو مأخوذ من الضياع، ومعنى " ويحوطه من ورائه " أي يحفظه ويصونه ويذب عنه بقدر الطاقة ويعامله بالشفقة ويسدي إليه النصيحة، فهل رأيتم أجمل من الحديث السابق في شرح وظيفة الصحبة الصالحة؟!
وصحبة الأخيار وقاية من المعاصي لعدة أسباب:
السبب الأول: مجالسة الأخيار حماية من الخلوة، والخلوة تؤدي إلى تفرد الشيطان بالعبد الضعيف ليصرعه بالوقوع في أسر الخواطر ثم يكون غشيان المعاصي.
السبب الثاني: النصح النافع المانع، فإن الأخوة الصادقة تحتّم على المتآخيين أن ينصح كل منهما الآخر، لا أن يزين بعضهم لبعض تقصير الآخر.
السبب الثالث: التنافس معهم في الخير ومسابقتهم في سلوك طريق النجاة.
السبب الرابع: الندم والحسرة والتألم على المعصية إنما تجنيه من لزوم الصحبة الصالحة، فهو من ثمرات صحبتهم، وإنك حين تفارقهم فسرعان ما يخفت هذا الصوت حتى ينعدم ويختفي أثر النفس اللوامة!!
ومن هنا نعلم أن ترك صحبة الأخيار بحجة كثرة الذنوب والمعاصي من أعظم وأخطر حيل الشيطان ومداخله، وهب أنك فارقت الأخيار فهل سيزول ما تشكو منه من عصيان؟! أم أنك ستفقد عندها الدواء ويستفحل الداء!! إن الابتعاد عن صحبة الأخيار يساوي الاقتراب من الأشرار الذين يزينون المعصية ويقحمون العبد فيها!!