ما يعني أن العلاقة التي تربط النعم بالشكر علاقة جادة تدور ضمن دائرة يحق لها الاستمرار دون توقف متى كان الثاني للأول، أي متى كان الشكر عن كل النعم، التي سيتضاعف حجم رقعتها وبشكل لافت لن يدركه سواه من يُحصي كل ما يكسبه أياً كان حجمه، دون أن يُقدر كبيره ويتخطى صغيره وكأنه لم يكن أصلاً وذلك؛ لاقتناعه التام بقيمة كل ما يُقدره الله له، وقوة تأثيره على حياته، فهو بالنسبة له ذاك الذي لن يكون إلا إن كانت له قيمة فعلية يمكن أن تُغير مجرى الأمور وإن كان ذلك على المدى البعيد، أي بدرجات لن تُدرك بسهولة بالنسبة لغيره، ولكنها وعلى العكس تماماً (ستفعل) بالنسبة له؛ لذا نجده شديد الحرص على بث الشكر عن كل نعمة يُقدرها الله له، والحق أن كل من سيسير على هذا النهج سيفلح في حياته، ولن يظل محبوساً في بقعة (الخوف من المستقبل) بعد أن تُثقله الأمور الغيبية-التي تسلب تفكير غيره ممن يعجز عن التركيز على مهامه؛ بسبب انصرافه نحو أشياء أخرى وصرف ما لديه من تركيز عليها- بل وعلى العكس تماماً سنجده وقد ابتعد عنها وعن تلك البقعة، وانشغل بكل ما سيعود عليه بالفائدة الحقيقية، التي يبحث عنها كل سوي؛ كي ينشغل بها بخلاف غيره ممن سينشغل عنها؛ جهلاً منه وتجاهلاً.
بعد كل ما قد ذُكر فلا شك أن مراجعة كل ما يُحيط بنا من نعم ستكون الخطوة التي سنهرع إليها وعلى الفور؛ لندرك ما نملكه ونشكر الله عليه، وهو ما لا يعني أننا نفعل عادة، ولكن لأن الأمر يصبح مع مرور الوقت كعادة نُقبل عليها دون أن نركز على ما نفعله، ولدرجة لا نُقدر معها حقيقة ما نفعله بل والسبب الذي يدفعنا نحو فعل ذلك من الأصل، حتى نلتقي بين الحين والآخر بمثل هذه الكلمات، التي تطل علينا؛ كي تُذكرنا وتُشعل ما قد خمدت ناره من جديد، فنتدارك بفضلها مهمة إدراك النعم التي نملكها ولا يفعل غيرنا ممن يعيش؛ كي يدرك بعضها، ولكنه لا يحظى إلا بما قد قُدر له، ولا اعتراض له عليه فالأمر كله بيد الله، يعطي من يشاء ما يشاء، وعلى كل واحد منا ومن بعد ذلك بذل ما يجدر به بذله من شكر.
وماذا بعد؟
حين نقول نعمة فنحن نتحدث عن كل خير ترتفع معه منزلتك، وترتقي به مكانتك؛ لتشعر بشيء يُميزك فعلاً، ولا يحتاج منك إلا مقارنة وضعك الحالي بما كان عليه في السابق (لا) مقارنته بغيرك ممن وإن سلمت له فستدخل وسط دوامة (الغيرة المذمومة)، التي تصحب صاحبها في جولة تعيسة تُحركها الأمراض النفسية، التي لا تبدأ إلا بخسارة ولا تنتهي إلا بخسارة أكبر منها، ستتمكن من تجاوزها إن أحصيت ما خصك الله به من (نعم) تُدركك وإن لم تكن لتدرك وجودها، كتلك التي تحيط بك منذ الصباح حين تصحو وحتى المساء حين يجدر بك أن تغفو دون أن تغفل حقها منك، ويمكن أن تُوفره لها إن بدأت بالتفكير ملياً بكل ما تملكه ويستحق منك شكرك فعلاً.