هذا الحديث يربط التقوى بالله عز وجل وأيضا بالأخلاق في التعاملات مع البشر. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" مبدأ المراقبة والمسئولية الداخلية التي إن غابت الرقابة الخارجية كانت هي المتيقظة على تصرفات الفرد.
عندما تكن ذا تقوى تخاف الله أينما كنت، تخافه في أقوالك وأفعالك فهذا يدفعك تلقائياً لعمل الأعمال الصالحة والحسنة، لكن إن غفوت في لحظة من اللحظات وقمت بعملٍ سيء فهذا لا يعني أنها النهاية، انهض وقم وانفض عنك سوء هذا العمل بعملٍ آخر حسن تُصلح به ما فات، وهذا هو مبدأ العمل مع الأمل، أساس التفاؤل.
لذلك ترى الكثيرين ممن لا يعون هذا المبدأ إذا قام بعملٍ خاطئ أو ارتكب خطيئة بحق شخص آخر فإنه يغلق على نفسه كل بابٍ فيه نور و يعاقب نفسه أنه لا يستحق الحياة وأنه مذنب وأنه إنسان قاسي، تأتي هذه الكلمات من نزعة المراقبة الداخلية التي غفت لحظة الخطأ، لكن الله تعالى يقول لعباده حتى وإن غفوت بلحظة ما ثم أنبك ضميرك بعدها فاجعل من تأنيبه خطوة إيجابية لك، خطوة تسير بها لتصحح ما فات من أخطاءك فتتبع السيئة بالحسنة فيمحو الله السيئة كأنها لم تكن.
أرأيت إن كنت في اختبار وعندما خرجت منه راجعت مع زملائك فأجابوا إجابة غير إجابتك وأشادوا بصحتها رغم أن إجابتك هي الصحيحة فإنك وقتها سوف تحبط وتبدأ تعلل على أفكارك ودراستك حتى إذا كانت النتيجة ورأيت أنك أنت الصواب بعد ما اعتقدت أنك خطأ كيف يكون شعورك حينها؟ يا لهذه الروعة وهذا الشعور بالراحة بأن خطأ منك أصبح لا شئ بل وحل محله أمرٌ فيه خير.
وخالق الناس بخلق حسن، أرأيت التدرج في الحديث تدرج واضح ومتسلسل لهرمية التقوى وآثارها: أولا الأمر بتقوى الله ثم التأكيد على أن تقوى الله ليس بالشيء الصعب فتكون الحسنة بدل السيئة إذا استدركتها ثم يأتي بعد ذلك من الثمار العظيمة للتقوى وهي ما يراه الناس وكيف تعاملهم وكيف تغدو علاقتك بهم وهي (خالق الناس بخلق حسن) هي المعاملة التي تنبع من نبع التقوى وتنبع من نبع الحسنة بدل السيئة ففي تعاملك مع الآخرين اعلم أن الإحسان ليس أن تحسن لم أحسن إليك إنما هو أن تحسن لمن أساء إليك.
هكذا تتضح صور النقاء التي يرسمها الإسلام العظيم، نقاءٌ في الاتصال مع الخالق، ونقاء في التواصل مع البشرية جمعاء فكن سفير الأخلاق المحمدية وسفير عقيدة السماء وتمثل التقوى حباً وطاعة وسلوكًا ومعاملة.