فرحنا بقدومك، وبكينا شوقاً للقائك ... وبينما نحن في لذة العيش بك وفيك، وقد صُقلت بك النفوس، واطمأنت لك القلوب، وانشرحت فيك الصدور، وهطلت منك العيون؛ إذ بنا نفجأ بوداعك ورحيلك!
لو رأينا أن لنا سبيلاً إليك؛ لفعلنا، ولكن "ذلك تقدير العزيز العليم"!
أياماً محدودة، وليالٍ معدودة، قضاها وحدّها الرحمن، لا زيادة فيها ولا نقصان.
أيها الشهر ترفق، دموع الفراق تدفق، وفؤاد المحبين تمزق.
عسى بركب المقبولين نلحق.. وعسى من النيران نعتق..
فلا تفارقنا إلا ورضي الرحمن علينا تحقق.
ترفّق يا رمضان فما زالت القلوب قاسيةً، والأرواح عطشى، والعيون جدبى!
بالأمس كنا نقول رَمضان أهلاً، والآن نقول رمضانُ مهلاً!!
ما أسرعَ خُطاك يا رمضان؛ تأتي على شوق،ٍ وتَمضي على عجل!!
فسبحان من وصفك بـ "أياماً معدودات".
فــأحسِنوا إلى رمضان فإنه زائر خفيف الظل، كثير الهدايا، سريع الارتحال!!
اللهم اؤجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيراً منها.
وتعظم المصيبة وتزداد: من أتى عليه رمضان ورحل، وهو لا زال مفرطاً ومقصراً في العمل!
فقد دعا عليه أمين وحي السماء، وأمّن عليه أمين وحي الأرض: (رغم أنف امرئ أدركه رمضان ثم انسلخ؛ ولم يغفر له.. رغم أنفه، ثم رغم أنفه! قل آمين؟ قال: آمين".
فهل أدركت حجم الخسارة الفادحة؟!
وتزداد الخسارة عظماً، لمن فرّط بعد رمضان، في طاعة الديّان، وترك لنفسه العنان، وخاض في بحار الشيطان، وعصيان الواحد الديّان "ألا ذلك هو الخسران المبين".
فأعزي نفسي وإياكم، لفراق هذا الإلف الذي يفوق الألف، ولكن، عزاؤنا: أن "لكل أجلٍ كتاب" والرحمن تبارك وتعالى "كل يوم هو في شأن" يذهب بأيام، ويأت بأخرى "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا" ولكن وصيتي ونصيحتي لنفسي، ولبني جنسي، بالاستمرار على عمل الصالحات، والمداومة على طاعة رب البريات، وإن قلّ العمل، فلا تقرب الزلل، وكن عنه بمنأى، وتذكر رقابة الله عليك، وأن من كنت تعبده في رمضان، هو رب بقية الزمان، فلا تتعد حدوده، ولا تنتهك حرماته، فربك يغار؛ وغيرته أن يأتي المرء ما حرم الله).
هذه تعزية وتذكير، علّها تصادف نفوساً صافية، وقلوباً خالية، فتتوب وتؤوب، إلى علام الغيوب.
والله يتولانا في الدنيا والآخرة، وتقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال والأحوال، وأعاد علينا ضيفنا ونحن في طاعة وصحة واطمئنان.