إذا كانت الحرب بين الجزائر وفرنسا قد انتهت منذ أكثر من نصف قرن في الواقع، لكن تبعاتها ما تزال على صفحات الكتب والمؤلفات، حيث ينتظر أن يخضر الكتاب التاريخي بقوة في معرض الكتاب سواء من طرف دور النشر الجزائرية أو الفرنسية . "فحرب الجزائر" ما زالت مستمرة في مذكرات قدماء المحاربين والمؤرخين الذين يكشفون"حقائق" أو يقرؤون الأحداث كل من وجهة نظره.
في الجزائر تقدم منشورات"القصبة"عديد المؤلفات التي تهتم بالتاريخ والذاكرة، حيث أصدرت الدار مذكرات المحامية الفرنسية صديقة الثورة الجزائرية، "ماري كلود" مسرح الحياة، مذكرات محامية مناضلة، ترصد فيها صاحبتها تجربتها في الدفاع عن المجاهدين و شبكة حاملي الحقائب، أهمية الكتاب تأتي كونها شهادة حية من مناضلة فرنسية أمنت بعدالة القضية الجزائرية، ففضلتها على حساب بلدها الأصلي، في عام1957 تقف المحامية الفرنسية للدفاع عن مصطفى عمور المتهم بالمساس بالأمن الخارجي للدولة، كانت هذه القضية نقطة تحول في مسار ماري كلود التي أضحت من يومها ضمن شبكة المحامين المنتمين إلى جبهة التحرير، حيث دافعت المحامية عن عديد المناضلين في الجبهة وعاشت في الجزائر منذ 1963 وكانت مستشارة قانونية لوزارة التوجيه قبل أن يجبرها الإرهاب على ترك الجزائر في التسعينات.
في نفس الإطار أصدرت القصبة كتاب مسعود جناس"أوقات تاريخية للطلبة الجزائريين في مونبلييه 1948-2014 ضد النسيان" في هذا الكتاب يلقي مسعود جناس الضوء على نضال الطلبة الجزائريين في منطقة مونبلييه التي كانت ثالث أكبر منطقة بعد باريس والعاصمة، خرجت خيرة الإطارات الثورية التي موّلت جبهة القتال. يذكر مسعود جناس في كتابه أن إضراب الطلبة في 19 ماي 1956 كان له الفضل في شحذ الوعي الثوري عند الطلبة الذين ساهموا في تنظيم الخلايا الثورية لاحقا في هذه المدينة الفرنسية، في إطار الشهادات الثورية دائما تقدم منشورات القصبة، مذكرات الممثل الفكاهي الفرنسي الشهير جي بيدوس، "مذكرات ما وراء الأم"، الممثل المناضل المنتمي إلى اليسار الفرنسي هو من الأقدام السوداء ولد في سنة 1934، في الجزائر العاصمة وعاش في القبة، كما عاش في سوق أهرس وقسنطينة وعنابة، قبل أن يرحل إلى فرنسا سنة 1950.
عمل على فضح اليمين المتطرف في بلاده، يتحدث في مذكراته عن طفولته الصعبة في الجزائر، والتي حولته إلى فنان فكاهي اضطر أن يمتنع عن الأكل حتى لا يجند في الجيش الفرنسي، فتحول منذ ذلك الحين من قدم سوداء إلى قدم حمراء دافعت عن القضية الجزائرية، ولأن التحرش الفرنسي بالجزائر لم ينته بنهاية حرب التحرير يقدم وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي في مذكراته الصادرة عن القصبة إضاءة على فترة مهمة في تاريخ العلاقات الفرنسية الجزائرية "1970 -1979" إبان فترة الرئيس الراحل هواري بومدين في كتاب "مهمة فوق العادة" كُراسات سفير في فرنسا بين 1970و1979 تعرض بجاوي إلى اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان بتكليف من بومدين للاحتجاج على موقف فرنسا الداعم للمغرب على حساب الجزائر، حيث يقول بجاوي إن بومدين احتج بعد أن عقدت فرنسا صفقة أسلحة مع الملك الحسن الثاني، وهذا ما أغضبه واعتبر أن هذه الخطوة بمثابة إعلان عداوة من باريس، وهذا ما أدى إلى إدخال العلاقات الجزائرية الفرنسية في الثلاجة لمدة طويلة، بجاوي ذكر أن الوزير الأول في حكومة جسكار ديستان جاك شراك عارض هذا الموقف وأسر لبجاوي في عدة لقاءات بينهما أن رئيسه أخطأ في دعم المغرب على حساب الجزائر، في ذات الكتاب يكشف بجاوي عن المساعي التي بذلتها فرنسا لدى إسبانيا لدعم المغرب والتخلي عن قضية الصحراء الغربية، حيث يذكر صاحب المذكرات أن الرئيس الفرنسي أرسل في أكتوبر 1975، ميشال بونياتوفسكي إلى مدريد لهذا الغرض، بجاوي يذكر في كتابه أن تأزم العلاقات بين البلدين استمر طيلة حكم اليمين، فالجزائر دائما كانت تراهن على اليسار في الانتخابات الفرنسية، كما عاد بجاوي خلال الفترة التي غطتها مذكراته إلى سعي فرنسا لترحيل العمال المهاجرين كرد فعل على قرار بومدين بتأميم المحروقات، ويذكر بجاوي أن "بومدين ردّ مثلما يحق لفرنسا طرد العمال الجزائريين، فإن الجزائر بدورها تملك سلطة سيادية لتأميم الشركات الصناعية، رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق كريم يونس اختار أن يعود في كتابه الصادر عن منشورات القصبة "زمن الانكشارية" إلى الفترة العثمانية في الجزائر، فيما تقدم دار العثمانية الدكتور حميدة عميراوي "دور عثمان خوجة في تطور القضية الجزائرية"، توقف عند دور هذه الشخصية في الدفاع عن القضية الجزائرية قبل الثورة، حيث تعاون مع الجالية الجزائرية في فرنسا للضغط على حكومة فرنسا إضافة إلى دوره في اللجنة الإفريقية لصالح القضية الجزائرية.
الكتب الصادرة في الصفة الأخرى ما تزال تنظر إلى حرب الجزائر نظرة فيها بعض التعالي و الالتفاف على التاريخ مثل كتاب ساركوزي "فرنسا من أجل الحياة" الذي يطرح فيه تعهدات للشعب الفرنسي بشأن مراجعة جملة من الأمور في العلاقات بين فرنسا والجزائر في حال أعيد انتخابه في فرنسا ما يزال خيال حرب الجزائر يطارد ليس فقط قدماء المحاربين والأقدام السوداء، لكن حتى أحفادهم أيضا.
حيث قدم الرسام الفرنسي مارك فيدينس والسيناريست كلار دلانغوس، كتاب “سلام توبيب”، قصة مصورة مستمد من وقائع حرب الجزائر، الكتاب الصادر عن منشورات“غيتون نوسيك" يروي مجند في حرب الجزائر أثناء رحلة بالقطار لأحد الشبان تجربته كمجند جاء إلى الجزائر عام 1959 لانجاز أطروحته الطبية ليجد نفسه متورطا في جحيم الحرب "في هذه البيئة المعادية، على خلفية أزمة تهديد السياسية والإرهابية، يجب أن تجد مكانه".
في كتاب "التاريخ الهزلي لحرب الجزائر" الصادر عن منشورات لوسوي يسعى كل من بنجامين سطوره و سيبستيان فاسونتي إلى تقديم قراءة متقاطعة للأحداث التاريخية المتقاطعة بين البلدية وسط جراح الذاكرة التي ما تزال مفتوحة إلى اليوم.
في كتاب" أنا و معركة الجزائر، اعترافات أمريكي في قلب مأساة فرنسية" يقدم تيو دومقرقان نظرة نصف فرنسية كونه من أم أمريكية وجد نفسه في قلب حرب الجزائر ما بين عامي 56 و57، كان شاهدا على معركة ماسو و المضلين الفرنسيين وجنود جبهة التحرير، قراءة الكتاب يمكن أن تخلق صدمة عند القارئ النمطي كونه يقدم شهادة بعيدة أو على الأقل عن ما تعودنا أن نسمعه من الجنود المتقاعدين وقدماء محاربي الجيش الفرنسي.
في الكتابين اللذان تقدمهما منشورات "بلوا وتور" طفولة في الحرب، الجزائر 1954 ولمجموعة من الكتاب وطفولة فرنسيو الجزائر قبل 1962 لليلى الصبار، نكتشف أن أغلب الأقدام السوداء.
وفرنسيو الجزائر ما يزالوا ينظرون للجزائر كخسارة وأن الحرب قد أفسدت عنهم طفولتهم.