بعيون تذرف الدموع وفؤاد يعتصره الشوق لزيارة بيت الله الحرام يفترش مئات الحجاج "الكارتون" أمام مقر السفارة السعودية، وكلهم أمل في حصولهم على تأشيرات المجاملة حتى يتسنى لهم أداء الركن الخامس من الإسلام، هم نساء ورجال أطفال وشيوخ تركوا الدنيا بزينتها ولا هم لهم سوى الحج المبرور والوقوف بعرفة، فلعل السفارة ترق لحالهم بعد أن عبست القرعة في وجههم. "الشروق" تنقلت إليهم في مقر تجمعهم وكانت شاهدة على الظروف الصعبة التي يعيشونها.
قبل الوصول لمقر السفارة السعودية يواجهك صف طويل لمواطنين من الجنسين قادمين من جميع ولايات الوطن 48 بعضهم أرهقه التعب ففضل الجلوس على "الكارتون" كي يلتقط أنفاسه، خاصة أن غالبيتهم مسنين يعانون أمراضا مزمنة زادهم ارتفاع درجات الحرارة إنهاكا وتعبا لكونهم يتواجدون أمام مقر السفارة منذ شهر، في ظروف غير إنسانية حيث لا تتوافر دورات مياه "بيت "الخلاء، وكلما شعروا بالتعب يعيدون شحن بطاريتهم بتذكر روعة زيارة بيت الله وعظمة الموقف.
سجلت 10 مرات في القرعة ولم أنجح والأمل في المجاملة
وعن يومياتهم تقول الحاجة "لعمارة الضاوية" 56 سنة من العاصمة، "أقف هنا منذ الإثنين 15 أوت الماضية، في كل صباح أحضر مع زوجي لهنا على الساعة السابعة والنصف ولا أغادر حتى السادسة مساء، وكلي أمل في الحصول على تأشيرة المجاملة.
لقد سبق لي وأديت العمرة 3 مرات والآن أرغب في حجة قبل وفاتي، سجلت في القرعة 10 مرات ولم يبتسم لي الحظ ولا مرة". تبكي الحاجة "الضاوية" ثم تكمل حديثها "أرغب في الحج هذه المرة صحيح هناك جوازات سفر معروضة للبيع بـ 100 مليون سنتيم لكنني لا أملك هذا المبلغ .
ننام على "الكارطون" ونتابع الأخبار وأملنا في الحج كبير
أما السيدة "كندري" 57 عاما، فقد جاءت من ولاية معسكر وترغب في الحج رفقة زوجها وابنها 34 سنة، وهي متواجدة أمام السفارة منذ 15 يوما، تقول: "لقد تركت بيتي وأبنائي وجئت للعاصمة لعلي أظفر بتأشيرة المجاملة وأنام الآن فوق "الكارطون"، نتابع الأخبار في التلفزيون باستمرار لعل السفارة السعودية تتكرم علينا بتأشيرات المجاملة، تواصل لقد تركت الدنيا وحياتي "سمحت في كلش" وأطمع في أن يستضيفني المولى عز وجل ببيته.
وتشاطرها الرأي "ح. حورية" 64 عاما، سبق وأدت العمرة في عام 2004 وتتواجد في محيط السفارة منذ أسبوع، حيث تأتي في الصباح الباكر وتغادر مساء، لما بلغني سفر زوج ابنتي للحج وابني وزوجته تشوقت كثيرا لأداء الركن الخامس من الإسلام قبل أن توافيني المنية فأنا الآن مصابة بارتفاع ضغط الدم ولأنني اشتقت كثيرا لرؤية بيت الله الحرام لم أعد آكل ولا أنام الليل فقط أنتظر تأشيرة المجاملة".
ومن الغرائب التي صادفناها في وسط الحجاج حاجين اقتنيا ثمن تذكرة السفر يوم 28 ماي الماضي، وينتظران تأشيرة المجاملة وهما متخوفان من عدم منحهما التأشيرة فيضيع بذلك ثمن التذاكر .
وقال أحد المسنين 72 سنة من بوحنيفية ولاية معسكر وهو يذرف الدموع "لقد قضيت 12 يوم على "الكارتون" ولا رغبة لي سوى في الحج على الدولة الجزائرية، أن ترحم كبر سننا وتساعدنا في الحج.. صعب جدا بكاء مسن" فيما اقترح أحد الحجاج تخصيص حصة للشيوخ وكبار السن بدلا من منحها للزوايا.
هذه الظروف المزرية والكارثية التي يعيشها الحجاج فتحت باب الاستثمار وشجعت بعض الوكالات السياحية على محاولة تحقيق أرباح مستغلة رغبتهم الشديدة في الحج بعرض صيغ حج مختلفة عليهم كالحج المضمون والحج السياحي بـ 80 و100 مليون سنتيم، حيث أكد لنا بعض الحجاج اقتراب ممثلين من وكالات سياحية وزعوا على البعض منهم أرقامهم وعرضوا عليهم خدمات الحج والتكفل بهم من تأشيرة السفر للتذاكر والإقامة وغيرها من الامتيازات المغرية.
وأشاد المحتجون بالمعاملة الحسنة لرجال الأمن فهم يحرسونهم ويمدون لهم يد العون حتى المواطنين المقيمين بالقرب من السفارة لم يتوانوا في دعمهم بالطعام والفراش والماء البارد لتخفيف حرارة الصيف، غير أن حرارة الشوق لرؤية الكعبة والوقوف بجبل عرفة أكبر، وهدد الحجاج بنقل وقفتهم إلى ديوان الحج والعمرة .
القائم بالأعمال في السفارة السعودية بالجزائر لـ"الشروق ":
لن نمنح تأشيرات المجاملة.. والراغبون في الحج عليهم بالمسار النظامي
أوضح القائم بالأعمال في السفارة السعودية بالجزائر، عبد الله بن فهد الشمري، أن "تأشيرة المجاملة" التي يود الكثيرون ممن يرغبون في أداء مناسك الحج الحصول عليها، بعد فشلهم في أن يكونوا ضمن الحجاج النظاميين "غير موجودة".
وقال الدبلوماسي السعودي في لقاء مع الشروق، بمقر السفارة أمس، بخصوص العشرات من المواطنين الذين ينتظرون عند بوابة السفارة، للحصول على التأشيرة "تأشيرة المجاملة بهذه الطريقة غير موجودة... تأشيرة المجاملة لا تُمنح لعامة الناس، بل تمنح لأشخاص معينين فقط"، وقال "لا أمل لمن ينتظرون في الخارج".
ونبه القائم بالأعمال، أن المعلومات المتوفرة لدى عدد من المواطنين بخصوص تأشيرة المجاملة هي"معلومات خاطئة"، وأكد أن الطريقة الوحيدة لأداء مناسك الحج هي الحصول على التأشيرة النظامية العادية، وتكون ضمن الحصة الرسمية للجزائر، علما أن كوطة الجزائر هذه السنة قد بلغت أكثر من 28 ألف حاج، وتعتمد المملكة السعودية على معيار عدد السكان لكل دولة، وتمنح التأشيرة لشخص واحد من كل ألف مواطن، مع العلم أنه جرى تخفيض الكوطة لكل الدول منذ 3 سنوات بعد أشغال التوسعة التي تتم بالحرم المكي.
وعبر الشمري عن أمله في أن يعي الجزائريون مفهوم تأشيرة المجاملة، وقال "الجزائر توعي حجاجها، في صالون الحج الذي أقيم قبل أيام، وعلى مستوى المساجد والمطارات، ولكن ليس لهم وعي بمسألة تأشيرة المجاملة، وعليهم أن يعلموا أن السبيل الوحيد للحصول على التأشيرة هو اتباع المسار الرسمي"، وذكر التحدث أن مسألة الكوطة، تشمل المواطنين السعوديين، وأفاد أن سلطات بلاده أعادت 70 ألف شخص في الساعات الماضية، ومنعتهم من أداء المناسك لعدم استفاء الشروط التنظيمية.
وبخصوص التأشيرات النظامية، أفاد الدبلوماسي السعودي، أن عددها فاق 25 ألفا، على أن يتم في الأيام القليلة القادمة منح ما تبقى من تأشيرات.