فعن الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: ( مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ ) قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُه،ُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: ( لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ )، قَالَ: فَقَالَ: ( مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟ ) قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: ( لأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ ) أخرجه أحمد وصححه الألباني.
إن الجار الصالح من أسباب سعادة العبد ، وعكسه من أسباب شقائه ، فعن سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربع من السعادة: المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والجار الصالح ، والمركب الهنيء ، وأربع من الشقاء : الجار السوء ، والمرأة السوء ، والمركب السوء ، والمسكن الضيق ) خرَّجه الألباني في الصحيح.
إن الله تعالى جعل للجار حقوقا شرعية على جيرانه ، فإذا قام بها المسلمون بينهم سادت روح الألفة والمحبة والتسامح ، واكتملت في المجتمع المسلم صفاته المثالية التي تعلو المجتمع بصبغة إسلامية رائعة تميزه عن باقي المجتمعات. فمن حقوق الجار:
أولا: كف الأذى عنه ، وهذا الحق واجب على المسلمين، فلا يجوز لهم بحال إيذاء أحد من الناس ما دام مسالما، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِي جَارَهُ ) رواه البخاري، وعَنْه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ( هِيَ فِي النَّارِ )، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ( هِيَ فِي الْجَنَّةِ ) أخرجه أحمد وصححه الألباني.
ومن صور إيذاء الجار حسده وتمني زوال النعمة عنه ، أو السخرية به واحتقاره ، أو إشاعة أخباره وأسراره بين الناس ، أو الكذب عليه وتنفير الناس منه ، أو تتبّع عثراته والفرح بزلاته ، أو مضايقته في المسكن أو موقف السيارة ، أو إلقاء الأذى عند بابه ، أو التطلّع إلى عوراته ومحارمه ، أو إزعاجه بالصراخ والأصوات المنكرة ، أو إيذائه في أبنائه.
وأما من ابتلي بجار يؤذيه فعليه بالصبر ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: ( اذْهَبْ فَاصْبِر )، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقَالَ: ( اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ )، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَه ُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ لا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. رواه أبو داود ، لهذا فإننا مأمورون بتحرّي حقوق جيراننا والقيام بها ؛ لننال الفضل في الدنيا ، وننجو من المؤاخذة في الآخرة.
ومن حقوق الجار أيضا الحقّ الثاني : الإهداء إليه وبذل المعروف، فكم من هدية أوقعت في قلب المهدَى إليه أثرا عظيما، فهي تقرب النفوس وتزيل الأحقاد وتبرهن على صدق المودة وعظيم المحبة، فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ) رواه البخاري، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ ) رواه مسلم. فكان فيما بعد إذا طبخ لحما أكثر ماءه وأهدى إلى جيرانه ويقول: إِنَّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم أَوْصَانِي: ( إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ ) رواه مسلم. وذُبح لعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ) رواه الترمذي. وسألت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ فقالت: إِنَّ لِي جَارَتيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: (إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا) رواه البخاري.