هابه الناس وخافوه كثيرًا، لا لشيء ولكن لظلمه وتهوره وطغيانه.. لكنه مع كل ذلك وكل القوى المادية التي معه، فإنه في لحظة معينة من حياته تلك، ارتعب وخاف وخشي على حياته، بعد أن توارد إلى سمعه خبر غير مؤكد بعد، وقد بدأ بعض الكهنة ومفسرو الأحلام بالحديث فيه وحوله..
اهتز لخبر ظهور فتى من بني إسرائيل، الذي كما قال الكهنة، على يديه سيكون زوال ملك فرعون. فطار عقله وطاش، فأمر بقتل كل نفس بريئة من الذكور ما إن ترى النور، كي لا يرى هو هذا القدر أو النهاية التي قال بها الكهنة، ولكن لم يدرك أو لم يرد أن يدرك بأن "الله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
وقع فعلًا ما كان يتناقله الناس قبل أكثر من ثلاثين عامًا.. وجاء اليوم الموعود الذي يقف موسى مع أخيه هارون أمام فرعون، وهو الملك المهاب الذي أذل البلاد والعباد حينًا من الدهر استمر طويلًا.. فاهتز للموقف وإن أراد التماسك حينها في المشهد المعروف والحوار الذي دار بينه وبين نبي الله موسى ورؤيته للمعجزات إلى بقية القصة، وغرق فرعون في اليم، وغرق معه كل من دار في فلكه وأطاعه، وعليهم لعنات الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم الدين..
تلكم هي النهاية الطبيعية لكل ظالم جبار متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، وكل من يعتد بقوته المادية ويعتقد أنها تمنعه من كل سوء.. فتلك النهايات هي بمثابة الجزاء الأدنى لأمثال أولئك النوعية من البشر، الذين غرتهم الحياة الدنيا وغرتهم قوتهم واندفعوا يهلكون الحرث والنسل.. وأما الجزاء الحقيقي فهو في الآخرة، كما يعلم القاصي والداني ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان.. يوم الدين "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ".. فكم ظالم يدرك هذا الأمر ويتدارك نفسه، قبل أن يكون في معية فرعون وأمية وبقية المجرمين، تلاحقهم اللعنات في الدنيا "ويوم القيامة بئس الرفد المرفود"؟ وقال تعالى "وما أمر فرعون برشيد. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار، وبئس الورد المورود".