فهي تمحق بركة العمل وتفشل ريحه، وقد تنبه إلى هذا وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى عندما شكا إليه الشافعي – وكان تلميذه – ضعف الحفظ وبطء التعلم، فأجابه بأن المعاصي مصدر من مصادر ضعف التحصيل وتردي الحفظ:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عــــــاصي
فالمعاصي إذا كثرت تراكمت على القلب والعقل وسدت منافذ العلم الصحيح وعاقت التحصيل بدرجة ما، قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" المطففين 14.
وعند ترك المعاصي والتحرز منها استجابة لأمر الله وطاعة له تزكو النفس ويرتفع شأنها، وتتبارك أعمالها وتكون أكثر صفاء ووضوحا، وأقدر على التمييز والفهم، وتمتلك الفرقان الذي به تعرف الحق من الباطل والنافع من الضار، والصحيح من السقيم، قال تعالى: (ياأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) الأنفال 29.
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: إذا سرك أن تنظر إلى الدنيا بعدك، فانظر إليها بعد غيرك.
والنفس لن تلين وتذل وتعترف بذنوبها إلا إذا كانت في جو يذكرها بالآخرة، وينبغي على كل واحد منا أن يتفكر في كل مجال منها، ويحصي ذنوبه فيها، يقول أحد الصالحين: متى تهت عن الطريق، فارجع إلى ذنبك تجد الطريق.
فالبر جوع إلى الذنب ومعرفة حقيقته تذل النفس وتنكسر ويتملكها الشعور بالخوف الشديد من الله عز وجل مما يدفعها إلى حسن التوبه إليه.
وعلى الإنسان أن يتذكر المقابل الذي قابل به هذا الكم الهائل من النعم، ساعتها سيعلم مدى تقصيره في جنب الله، وارتكابه للذنوب والمعاصي، سيتملكه شعور بالخوف الشديد من الله تعالى، فينادي الإنسان من أعماق قلبه: (أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).