كشفت زيارة الوزير الأول الفرنسي، مانويل فالس، للجزائر عن خطابين متناقضين، الأول موجه للاستهلاك المحلي الفرنسي، والثاني موجه للسلطات الجزائرية الغاضبة من الكيفية التي تعاطت بها أوساط إعلامية فرنسية مع ورود اسم وزير الصناعة والمناجم، عبد السلام بو الشوارب، في تسريبات "بنما بايبرز".
وقبيل تنقل المسؤول الفرنسي للجزائر، أطلق تغريدة له على حسابه الخاص في "تويتر"، تتعلق بقرار السلطات الجزائرية منع يومية "لوموند" وطاقم "لوبوتي جورنال" التابع للقناة التلفزيونية الخاصة "كنال بلوس"، من تغطية الزيارة بحرمانهم من تأشيرة دخول البلاد، اشتم منها رائحة التهديد والوعيد، "سأطرح القضية بكل صراحة" مع المسؤولين الجزائريين.
لكن وما أن لامست قدما فالس تراب مطار هواري بومدين، حتى تغيّرت النبرة وأصبح الرجل وكأنه شخص آخر، بدا عليه الكثير من الارتباك، إن في الكلمة التي أعقبت لقاءه بالرئيس بوتفليقة: "أريد أن أعبّر عن احترامي الكبير للرئيس بوتفليقة ودعمنا له"، أو في الندوة الصحفية التي شاركه فيه نظيره الجزائري، عبد المالك سلال، ولاسيما ما تعلق بالموقف من قضية الصحراء الغربية.
وبدا واضحا أن المسؤول الفرنسي اصطدم بواقع لم يكن معهودا في مناسبات من هذا القبيل، فالرجل وقف على جو مشحون، زادت من سخونته الأحداث التي سبقت الزيارة والسجال الذي رافقها، بشكل أعطى الانطباع وكأن الأمر كان مخططا للتشويش على هذه الزيارة التي كانت مبرمجة منذ شهور، ومن ثم إفشالها.
ومن سوء حظ مانويل فالس وفرانسوا هولاند، ومن وراءهما اليسار الفرنسي، الذي يحضر للدخول في سباق انتخابي شرس مع غرمائهم في اليمين من أجل الحفاظ على كرسي قصر الإيليزي، على بعد نحو سنة من الآن، أن الكثير مما تم التخطيط له خلال الزيارة، لم يسر كما يجب، من الناحية السياسية والدبلوماسية، وإن حقق اختراقا في الشق الاقتصادي قد يشفع لليسار عند رجالات المال في الرئاسيات المقبلة.
فالسجال السياسي والإعلامي اللذين رافقا قضية "لوموند" في فرنسا كما في الجزائر، وضعا الزيارة تحت المجهر، وهو ما يكون قد أرهق مانويل فالس في البحث عن الحلول التوفيقية بين رأي عام فرنسي لا يزال مسكونا بحلم بائد وموؤود "الجزائر الفرنسية"، ورأي عام جزائري حسّاس من كل ما هو فرنسي، ولاسيما في ظل الانطباع الذي ترسخ لدى الكثير من المتابعين بانحياز باريس للطرح المغربي بخصوص قضية الصحراء الغربية، التي تعني الكثير بالنسبة للجزائريين.
وهكذا بدا فالس جدّ مرتبك وهو يشرح موقف بلاده بشان القضية الصحراوية ، ولم يجد من تبرير يدفع به أمام الصحافيين، غير التأكيد على أن باريس لم تغيّر موقفها، تبرير لم يلق التجاوب المأمول، لأن المواقف لا تقاس بالثبات على حال، بل بمدى تطورها مع الأحداث، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضية عادلة تنتزع من يوم لآخر تعاطف واحترام المجموعة الدولية.