توجهت أنظار المسلمين في جميع أقطار المعمورة أمس، إلى باريس، حيث ظلوا يتابعون طوال الساعات الأولى من صبيحة الجمعة ما يحدث في العاصمة الفرنسية خشية أن تطال الجالية الإسلامية اعتداءاتٌ جديدة أثناء توجههم للمساجد لأداء الصلاة، غير أن الجمعة والتي ارتأى الأئمة أن تكون خطبتها موحدة ضد الإرهاب والتطرف، مرت بسلام.
صرح رئيس مجلس أئمة فرنسا، حسين درويش، في اتصالبـ"الشروق"، أن صلاة الجمعة أمس، شهدت إقبالا كبيرامن الجالية المسلمة في فرنسا أكثر من المعتاد، حيثأدّوا الصلاة في ظروف جيدة، غير أن المشكل يكمن لدىبعض الأئمة الذين يمارسون ازدواجية في الخطاب، وهو مايولد الخوف لدى المجتمع الفرنسي، ضاربا لنا مثلا بمايحدث في مساجد في بعض المناطق الفرنسية مثل"نيم"؛ ففي مسجدها الكبير والذي يعاني فيه المسلمونمنذ 3 سنوات من غياب إمام رسمي، بل يعتمد رؤساء الجمعيات في كل مرة على أئمة متطوعين لا يملكونخبرة، ألقى الإمام خطبته حول التفجيرات التي شهدتها العاصمة باريس وضرورة التعاون والتسامح الدينيوبراءة الإسلام من الإرهاب والتطرف، وبمجرد أن نزل من فوق المنبر، استفسره أحد المصلين عن حكمالكتابة في سجلّ العزاء ووضع أكاليل الأزهار على أرواح ضحايا الحادثة وإشعال الشموع، وهو ما يقوم بهالفرنسيون في العادة، فحذرهم بشدة من إتِّباعهم، وهو كلام مخالف لخطبته عن "الأخوية" و"العيش بسلام"،وهذا أشد ما يتخوف منه المجتمع الفرنسي.
وأكد درويش أن صلاة الجمعة تمّت في وجود قوي لرجال الدرك والشرطة الفرنسيين بغية حماية المسلمينوالمساجد من أي اعتداءات متوقعة، كما وزّع مجلس الديانة الإسلامية وكذا مجلس أئمة فرنسا على كافةالمساجد بياناً، وقد ورد في بيان مجلس أئمّة فرنسا والذي وزع على 10 مساجد بباريس دعوات لانخراطالمسلمين ومساهمتهم في معالجة بذور التطرف، وطمأنة المجتمع الفرنسي بأن الإسلام ليس ضدهم، وضرورةاحترام هذا المجتمع بثقافته، وعدم مغالبته في دينه. وقد أرسلت نسخة من خطبة الجمعة الموحدة إلىالسلطات الأمنية الفرنسية والجمعيات والبلديات والداخلية.
وشدّد حسين درويش على ضرورة عدم التسرّع وإقحام الجالية في فتن هي في غنى عنها؛ فالمحجبات منذالاعتداءات لا يتمكنّ من الخروج إلى الشارع خوفا من التجاوزات.
من جهته، كشف رئيس المرصد الفرنسي للإسلاموفوبيا، عبد الله زكري، في اتصال مع "الشروق"، أن صلاةالجمعة أمس، مرت في فرنسا في هدوء تام وحظيت باهتمام إعلامي عالمي؛ فالمجلس الفرنسي للديانةالإسلامية قرّر توحيد خطبة الجمعة ضد الإرهاب للتعريف بالإسلام، وشرح أن هؤلاء الإرهابيين لا يمثلونالإسلام، والإسلام ليس له دور في ذلك، مشيرا أن المساجد لم تسجل اليوم أي اعتداءات أو مضايقات،وقد قام الأئمة بدورهم على أكمل وجه في توعية المسلمين وعدم تخويفهم.
وأضاف زكري أنه إلى غاية يوم أمس الجمعة، تم تسجيل 32 عملية اعتداء ضد المسلمين والمساجد، وهيعمليات في ارتفاع مستمر وتختلف، فمنها ما يستعمل فيه الأسلحة البيضاء كالسكاكين ،وأخرى اعتداءاتبالسب والشتم، وهو ما ضاعف من تخوفات العائلات المسلمة، مواصلا أنهم تمكنوا من كسر هذا الحاجز،حيث جرت العادة أن تستقبل المساجد الفرنسية قرابة مليون مصلي مسلم في صلاة الجمعة، غير أن العددهذه المرة فاق المليون بقليل.
أستاذ علم الاجتماع الديني في جامعة روما عز الدين عناية لـ"الشروق":
"الجالية المسلمة في الغرب لم تقدّم الوجه النيّر والمشرّف للإسلام"
هل ترسّخت الآن النظرة إلى المسلم في أوروبا على أنه إرهابي أو على الأقل مشروع إرهابي؟
ليست الصورة بهذه القتامة، هنالك تمييزٌ بين الطبقة السياسية والناس العاديين، وهنالك إقرارٌ لدى الغربأن هنالك نوعين من الإسلام في العالم العربي: إسلامٌ متطرف تمثله أقلية، وإسلام سمح، لكن هذا لا ينفيأن هنالك تداعيات كثيرة، وتوترات سواء بالطبقة السياسية أو الاجتماعية، الآن هنالك علاقة مشوّهةتشوبها الريبة، لكن تبقى العلاقات تطبعها الحميمية بين المهاجر المسلم وأبناء البلد، ما حدث الجمعةالماضية أظهر أن مرض التطرف يهدد كل المكون الاجتماعي في الغرب، لكن المسلم هو الأكثر تضررا.
كيف يمكن تصحيح الصورة المشوّهة عن الإسلام لدى الغرب؟
لا بد من تعاون في البلدان العربية في هذا المجال؛ فهي قد تحولت إلى بؤرٍ للتوتر، كما هو الحال في شمالإفريقيا ونقصد ليبيا وتونس ومصر، ودول في المشرق العربي كالعراق وسوريا، يجب على الغرب أن يعملجاهدا مع الأنظمة العربية لإنقاذ تلك الدول من الانهيار، يجب أن يتبع هذا الأمر بتكثيف الحوار الثقافيوالحضاري بين الجالية المسلمة والمواطن الغربي، والبحث عن جذور الإرهاب، فإذا كانت هناك شرائحمهاجرة متضررة، فلنبحث عن الحلول الاجتماعية لها حتى لا يتم اختطافها.
لا يمكن إنكار تهمة الإرهاب عن الصهاينة، لكن كيف يتم قبولهم من طرف الغرب؟
هذه إشكالية تاريخية، فلو تأخذ الجالية اليهودية في أوروبا، تجدها مندمجة اندماجا كليا، وأصبحت جزءاأساسيا من المجتمع، لكن الجالية المسلمة لم تندمج بعد بشكل جيّد، إضافة إلى أن المستوى الثقافيللجالية المسلمة محدود، ولم تستطع نقل الصورة النيِّرة والمشرِّفة للإسلام، أنا في ايطاليا التي تحوي 2 مليونمسلم، تصور أن 98 بالمائة من الجالية عُمّالية، و2 بالمائة فقط جالية نخبوية، ماذا يمكن أن تقدم الفئتان عنموروثهما الحضاري؟
كيف يمكن فهم انجذاب الشباب الغربي إلى التنظيمات الإرهابية، داعش تحديدا؟
التطرف موجود، وليس في المجتمعات المسلمة فقط كما تحاول بعض الأطراف تسويقه، أما عن انجذابالمسلم الغربي سواء في ايطاليا أو بريطانيا أو فرنسا إلى التنظيمات الإرهابية، وجب التنبيه إلى أن غالبيتهمقد اهتدوا إلى الإسلام مؤخراً، وأعتقد أن لديهم حالة انفصام، كانوا قبل إسلامهم منتمين لتنظيمات أقصىاليمين أو أقصى اليسار، أي أنهم متطرّفون قبل إسلامهم، إضافة إلى هذا فهم من شرائح اجتماعية متعَبة،وعندما وجدوا أنفسهم مسلمين انتموا إلى تنظيم راديكالي متطرِّف وهو متطرِّف بالأساس.
فهد المصري لـ"الشروق":
"200 شخص هندس ونفّذ اعتداءات باريس.. و87 داعشية منتظرة لعمليات أخرى"
اعتداءات باريس من تدبير جهاز مخابرات محترف
في هذا الحوار الذي أدلى به لـ"الشروق"، يتّهم فهد المصري، رئيس مركز الدراسات الأمنية والعسكرية حولسوريا، نظام الأسد بالضلوع في تفجيرات باريس، بالنظر إلى ضخامة هذه العمليات و"احترافيتها" التيتستعصى على تنظيم كـ"داعش"، ويقول المصري إن نظام الأسد سيقوم بعمليات أخرى وينسبها لـ"داعش"لإقناع الغربيين بأطروحته المتعلقة بضرورة تجند المجتمع الدولي كله لمحاربة هذا التنظيم والقبول ببقاءالأسد في السلطة.
بداية، ما هي قراءتكم لتفجيرات باريس؟
لقد بيّنا استنادا إلى عدد من المعطيات، أن ما حدث في فرنسا لا يمكن عزله عن الحدث السوري، وبناءًعلى ذلك، فالمعلومات المتوفرة لدينا بناء على مصادر مطلعة للغاية، تفيد أن عددا من الإرهابيين قدوصلوا إلى 4 دول أوروبية، وقام النظام السوري بتوزيعهم في وقت لاحق بفرنسا، لقد تم توزيع الإرهابيينوسط أفواج اللاجئين.
لقد سبق وأن حذرنا من وجود تخطيط لاستهداف فرنسا وعدد من الدول الأوروبية، هذا واجبُنا الأخلاقي،وخلال الفترة الماضية رصدنا على الأقل 3 إرهابيين من "داعش" دخلوا إلى أوروبا وأحدهم متواجدٌ فيفرنسا، وبناء على المعلومات المتوفرة كذلك تبيّن أن ما حدث في باريس قد تم تنفيذه من طرف 7 مجموعات كل مجموعة تضم 5 أشخاص يقودها أمير، وكل مجموعة منفذة تحوز على أفراد آخرين للمساعدة،ونتيجة لهذا، فإن ما لا يقل عن 200 شخص نفذ وساعد في وقوع الاعتداءات الأخيرة.
ما حدث في باريس، عملٌ احترافي لا يمكن لتنظيم "داعش" تنفيذه، التخطيط كان لأجهزة مخابرات، مرتبطةبالنظام السوري وبدولة حليفة للأسد.
من هي الأنظمة المستفيدة من اعتداءات باريس؟
هنالك ثلاث دول مستفيدة استفادة مباشرة من الاعتداءات، أولها النظام السوري، والثاني إيران، وبعدهماروسيا، ولهذا يجب أن لا نقرأ ما حصل بعيدا عن تفجيرات بيروت، لقد وقَعت العملية ببيروت للقول إنحزب الله مستهدف بالإرهاب، والعامل الآخر أن اعتداءات باريس حصلت على مقربة من اجتماعات فيينا،وحلفاء الأسد يصرون على توجيه الأنظار بزعم أن الجميع يحارب "داعش" وهي الأولوية.
هل ما زالت فرنسا مستهدفة، وهل بالإمكان استهدافها بأسلحة غير تقليدية؟
الأعمال التي حصلت هي مقدمة لعمليات أخرى في فرنسا وفي عدد من الدول الأخرى بأوروبا نخص بالذكرالدانمارك والسويد وبدرجة أقل ألمانيا والنمسا ودول العبور اليونان وايطاليا وسلوفينيا.
وبالنسبة للجزء الثاني من سؤالكم، فيجب التأكيد، أن وقوع عمليات إرهابية في فرنسا وأوربا بأسلحةكيماوية، وعلى الأرجح أن السلاح الكيماوي الذي سيستخدم في فرنسا وغيرها، هو من نفس أنواع الأسلحةالكيماوية التي استخدمها الأسد وأعوانه في سوريا، وذلك لعدة أسباب أهمها: رفع التهمة عن الأسد ونظامهوأعوانه في استخدام السلاح الكيماوي في سوريا وأن من استخدمه في سوريا هي التنظيمات الإسلاميةالإرهابية و"داعش" وبالتالي تبرئة الأسد وحكمه من الجريمة لتأكيد الرواية الروسية في اتهام المعارضةوالتنظيمات الإسلامية والمتطرفة والإرهابية، وإعادة تأهيل نظام الأسد للتعاون والحاضنة الدولية وإجبارفرنسا وغيرها لاعتبار الأسد ونظامه وحلفائه شركاء في الحرب على الإرهاب وبشروطهم، ومعاقبة باريس علىموقفها من الأسد ونظامه منذ بداية الأحداث، وإضعاف فرنسا وأوربا لصالح توازنات إقليمية ودوليةجديدة.
كان لافتا مشاركة العنصر النسوي في عمليات باريس، هل تتوفرون على معلومات في هذا المجال؟
حذرنا في شهر جويلية الماضي، من استغلال العنصر النسوي في اعتداءات إرهابية، فالتنظيم يملك 87سيدة أوروبية، وقد تم إرسال عدد منهن إلى أوروبا.