يتكرر كل موسم شتاء سيناريو فيضانات باب الوادي الذي لا يمحى من ذاكرة الجزائريين، تاركا وراءه آثارا نفسية عميقة تسترجع مخاوفها كلما حل موسم التساقط.. 733 ضحية بين مفقود وقتيل وخسائر مادية فاقت الملياري دينار في يوم أسود من 10 نوفمبر 2010 بسبب إهمال المسؤولين ولامبالاة المواطنين.. 14 سنة تمر على الكارثة الطبيعية غير أنه ولا شيء تغير، فلا مخططات ولا دراسات تقنية جادة لمواجهة غضب الطبيعة رغم أن الفيضانات تتكرر سنويا وبمناطق مختلفة من الوطن ما يدعو للقلق ودق ناقوس الخطر لتجنب ما لا تحمد عقباه، سيما وأن كل المؤشرات والدراسات المنجزة من طرف الخبراء تؤكد على أن التغيرات المناخية تسوء من سنة لأخرى وتستدعي إجراءات استثنائية.. الشروق تفتح ملف الفيضانات وتسنطق مختصين ورؤساء بلديات وممثلين عن الحماية المدنية.
دعا إلى توقيف مؤقت للمشاريع بغية معالجة أخطائها..شلغوم:
مخطط "مارشال" لحماية 38 ولاية مهددة بالمخاطر
أكد عبدالكريم شلغوم رئيس هيئة المخاطر الكبرى، أنهبات من الضروري على السلطات المحلية وضع مايسمى رجل مخاطر على رأس كل بلدية يقوم بمتابعةالمخاطر التي تتكرر في منطقته، مقابل انجاز خرائط بحجممعين، تنصب داخل البلديات تشعر كل مسؤول بالمخاطر التي تترصد ببلديته لمتابعتها والإشراف على إيجادالحلول لها.
قال شلغوم الذي نزل ضيفا على"فوروم الشروق"، إنه بات من الضروري على الدولة التحرك في الاتجاهالصحيح لتجنب مخاطر الكوارث التي تهدد البلاد وعلى رأسها الفيضانات التي تصنف في الخطر الثاني من أصل10 مخاطر كبرى، واسترسل المتحدث بالقول أن على الدولة توقيف كامل المشاريع التي انطلقت فيها منذ2000 لإعادة النظر في أخطائها التقنية وتصحيحها، تجنبا لكوارث أخرى .
وعلل المتحدث ذلك بأنه ليس من العيب اللجوء إلى هذه الخطوة لأن أكبر بلدان العالم تقع في مثل هذهالأخطاء شأن اليابان والزلزال المدمر الذي ألحق بها خسائر بشرية وأخرى مادية بالملايير بسبب أخطاء تقنية،معيبا على بعض المشاريع الكبرى التي أنجزت دون استشارة المراقبين ولا دراسة دقيقة من طرف المختصينوالخبراء شأن الترامواي والميترو اللذان يغرقان في المياه كل موعد تساقط، داعيا في الوقت نفسه إلى إعادةتفعيل قانون 2004 الذي حددته لجنة من الخبراء متكونة من أكثر من 120 عضو آنذاك، وانتخب عليه فيالغرفتين للمتابعة ووضع الأطر اللازمة وتحديد مواقع البناء بعد زلزال 2003، غير أنه لم يحدث أي أمر منهذا القبيل، بل تم التخلي عنه ومنحت رخص بناء في 2012 بالأودية شأن ما حلّ بالشراڤة ومناطق أخرىكثيرة، وصل إلى حد بناء عمارة من 7 طوابق قد تنهار، حسب شلغوم بمجرد اهتزاز الأرض بشدة 6 درجاتعلى سلم ريشتر، والأمر ينطبق على حوالي 100 وادي نائم بالعاصمة قد يعود إلى طبيعته في أي لحظة، آخذامعه كل ما في طريقه، متهما الولاة عن ما يبنى بشكل غير قانوني، على اعتبار أن الوالي بيده كل شيء، وهوالمسؤول عن سوء التسيير، مضيفا أنه تم المطالبة بتوقيف المشاريع في العديد من المرات حتى يتسنىتعيين مجموعة من الخبراء المستقلين لمعرفة والنبش في أخطاء المشاريع لتصحيحها وتجنب أخطارهاوكوارثها، غير أنه ولحد الساعة لا حياة لمن تنادي، وكأن قوانين الفيزياء لم تعد صالحة بالجزائر .
وقال شلغوم إن منطقة "فريفالو" بباب الوادي كانت قد شهدت في 1952 فيضانات مثل 2001 وأكثرمنها بحوالي 10 بالمئة، وفي فترة واحدة، غير أنه سجل وفاة شخص واحد و3 جرحى مقابل أكثر من 900ضحية في 2001 مما يوحي بأن المشكل ينحصر في التهيئة العمرانية المحلية والمشاريع المنجزة التي لمترافقها أي رقابة.
قال شلغوم إن 38 ولاية معنية بالمخاطر الكبرى أي أن حوالي 50 بالمئة من البلديات معرضة للمخاطر، لاسيما ولاية باتنة، تيزي وزو، غرداية، عين الدفلى، وادي رهيو، تامنراست وغيرها..مبرزا أنه بات من الضروريالاستعانة بمخطط "مارشال" لحماية مدننا من مختلف المخاطر، لا سيما وأن عدد السكان في ارتفاع مستمريتطلب مسايرة التطور في كل المجالات، وأبرز المتحدث قوله إن العديد من الدول لجأت إلى إنشاء مدنعصرية تحت الأرض، بحيث كل ما هو موجود فوقها يتم موازاته تحت الأرض وحتى تسمية الأحياء تنطبق علىالوجهتين.
قال إن قنوات المياه كلها تعود للعهد الاستعماري.. بوداود:
50 بالمائة من البلديات مهددة بـ"الطوفان"!
أرجع رئيس خبراء البناء والمهندسين المعماريين عبد الحميد بوداود سبب تجدد الفيضانات بالعاصمةوالمدن الكبرى إلى غياب استراتيجية واضحة المعالم من طرف السلطات المحلية لتجديد قنوات الصرفالصحي التي يعود غالبيتها للعهد الاستعماري، فضلا عن غياب دور فعال لشرطة العمران، ما يؤدي إلىتسجيل فيضانات عند انهمار قطرات المطر.
قال بوداود الذي نزل ضيفا على ندوة "الشروق" إن الجزائر لا تمتلك جهاز إنذار يحذر من خطر الفيضاناتعلى مستوى النقاط السوداء بالمدن الكبرى، ما يعيد في كل مرة تكرار مشاهد ارتفاع منسوب المياهوالكوارث التي تنحل بمجرد تهاطل الأمطار، وأضاف المتحدث أن السبب الرئيس لغرق المدن الكبرى في مياهالأمطار هو عدم ملاءمة قنوات صرف المياه التي تعود غالبيتها للعهد الاستعماري مع الوضع الراهن الذياتسم بانفجار ديمغرافي كبير، وهو ما يجعل المدن تفيض في قطرة ماء، محملا المسؤولية كاملة على عاتق ولاةالجمهورية كونهم عجزوا حسبه عن إيجاد حل لهذا المشكل طيلة السنوات الماضية، وأكد أن فوضى العمرانالتي عاشتها الجزائر في العشريتين الأخيرتين كانت سببا مباشرا في وقوع الكوارث، ما يحتم إعادة النظر في الخارطةالعمرانية، باعتبار أن العديد من البنايات تم انجازها فوق مجرى أودية، رغم أن ذلك ممنوع كونه يشكل خطراعلى حياة الأفراد ويهدد بانهيار مباني جراء انزلاق التربة.
انتقد بوداود بشدة ما وصفه بـ"كذبة القرن" التي أطلقتها الحكومة بخصوص إعداد خارطة حول المناطقالمعرضة للفيضانات، وهو المشروع الذي تم الإعلان عنه قبل خمس سنوات، إلا أنه لم يتم تجسيده علىأرض الواقع، كاشفا في ذات السياق أن 50 بالمائة من البلديات تعاني من مشكل الفيضانات، واقترح ضرورةإلزام شرطة العمران على أداء مهامها الموكلة إليها وردع كل شخص لا يحترم مقاييس البناء أو ترك مخلفاتالأشغال على قارعة الطريق، كونها السبب الأساسي لسد البالوعات بشكل كامل، داعيا إلى تفعيل التنسيقبين الولاة والأميار والوزارات المعنية من جهة وشن جملة من الحملات التحسيسية لفائدة المواطنين من جهةأخرى قصد توعيتهم بضرورة عدم رمي مخلفات الأشغال والنفايات بالطرقات لما يترتب عنه مخاطر.
النقيب نعيم عبد المالك: المواطن هو المتسبب الأول في الفيضانات!
قال ممثل مديرية الحماية المدنية لولاية الجزائر إن المتسبب الأول في وقوع الفيضانات تتمثل في العاملالبشري، بسبب الرمي العشوائي لمختلف أنواع النفايات ومخلفات الأشغال، ما يتسبب -حسبه- في سدالبالوعات وهو ما يترتب بالضرورة امتلاء طرقات وشوارع المدن بمياه الأمطار المتساقطة، وأضافالمتحدث أن الوقاية تعد العامل الأساسي لتجنب هذا المشكل في كل مرة من خلال حرص المواطنين علىتجنب وضع مخلفات الأشغال والنفايات أمام البالوعات، ما يسمح بتسرب المياه بها بشكل سليم، كاشفا فيذات الوقت عن الانطلاق في حملة تحسيسية واسعة النطاق ستباشرها مصالحه لتوعية المواطنين حول الطرقالسليمة لتجنب الكوارث الطبيعية.
ممثل الحماية المدنية، الملازم الأول خالد بن خلف الله:
13 منطقة بالعاصمة قاطنوها معرضون للفيضانات
كشف ممثل الحماية المدنية، الملازم الأول، بن خلف الله خالد، عن وجود 13 منطقة بالعاصمة، تصنفضمن القائمة السوداء والمناطق المعرضة في أي لحظة لحدوث فيضانات، خلال فصل الشتاء، مؤكدا تسجيل96 فيضانا من بين 117 تدخل، خلال الأسابيع الماضية التي شهدت سقوطا معتبرا للأمطار.
قال ضيف"الشروق" الملازم الأول، خالد بن خلف الله، إن المناطق الأكثر خطورة بالعاصمة وعددها 13،تقع ما بين بلديتي سطاوالي، الرغاية، أغلبها عبارة عن وديان، يرتفع فيها منسوب المياه بدرجة كبيرة مقارنة معالمناطق الأخرى العادية، حيث أوضح أن وحدات الحماية المدنية القريبة من هذه المناطق، تكون في حالةتأهب قصوى لمواجهة أي طارئ، فضلا عن قيامها بدوريات تفقدية لهذه المناطق، ومن بين المناطقالسوداء الأكثر خطورة بالعاصمة، ذكر ضيف "الشروق"، وسط مدينة عين البنيان، تريولي، بن عكنون، واد بنيمسوس، واد السمار وواد الشبل، والرغاية، بالإضافة إلى مناطق أخرى، تصنف من بين المناطق المعرضقاطنوها لخطر حدوث الفياضات خلال فصل الشتاء لارتفاع منسوب المياه.
أما فيما يخص حصيلة الوحدات على مستوى العاصمة، قال ضيف"الشروق" إنه خلال الأسابيع الماضية،والتي شهدت فيها البلاد تساقطا معتبرا للأمطار، تم تسجيل 96 فيضانا من بين 117 تدخل العاصمة، أغلبهابالمناطق المذكورة، غير أن درجة الخطر -يقول المتحدث- قد تقلصت قليلا مقارنة مع السنوات الماضية،على اعتبار أن عمليات إعادة الترحيل وتقلص عدد الأحياء القصديرية قد ساهم في تقلص خطر كوارثالفيضانات.
رئيس بلدية حسين داي: فضلات التجار الفوضويين من أسباب الفيضانات
رفض رئيس بلدية حسين داي، محمد سدراتي، تحميل المسؤولين المحليين لوحدهم مسؤولية حدوثالفيضانات، على اعتبار أن المؤسسات المقاولاتية التي لا تحترم شروط انجاز الأشغال بالأحياء، وغياب ثقافةالمحافظة على المحيط لدى المواطنين، من بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، وكشف عن تفعيل عملاللجنة الوطنية للكوارث ابتداء من الأسبوع المقبل.
وأوضح ضيف "الشروق" أنه من غير المعقول توجيه أصابع الاتهام، في كل مرة يتكرر مشكل حدوثالفيضانات ببعض بلديات العاصمة، على غرار ما يحدث بشارع "طرابلس" بحسين داي، بما أنه توجد أسبابخارج دائرة عمل المصالح المحلية، يتسبب فيها مؤسسات مقاولاتية والمواطنون الذين يقطنون بتلكالأحياء أنفسهم.
حمّل سدراتي بعض المؤسسات المقاولاتية المكلفة بانجاز أشغال التهيئة بالشوارع والأرصفة والبنايات، عدماحترامها شروط الانجاز، حيث تتسبب في انسداد البالوعات ومجاري المياه، نتيجة الإتلاف العشوائيلمخلفات مواد البناء من دون أي رقابة ومتابعة من طرف المؤسسات للجهات التي منحتها المشاريع،وشدد في هذا السياق، على ضرورة وضع هذه المؤسسات في قائمة سوداء، حتى لا يتم الترخيص لها لاحقا فياستلام مشاريع تخص تهيئة البلديات.
وبناء على ذلك، يرى المتحدث أنه يجب تطبيق إجراءات عقاب صارمة، والعمل على المراقبة الميدانيةالدائمة على المؤسسات المقاولاتية التي لا تحترم أشغال الانجاز، مشددا أنه يجب مصادرة مواد بناء وسلع كلمؤسسة من طرف المسؤليين المحليين، أما بخصوص شارع "طرابلس" بحسين داي، الذي يشهد نفسالظاهرة كل سنة بمجرد سقوط قطرات من المطر، أوضح ذات المسؤول أن مشكل الحي يصب فيه سبعةشوارع، لذلك يتعرض ـ حسبه ـ حي طرابلس لهذه الظاهرة، والمشكل أن قنوات صرف المياه تستقبل أكثرمن طاقتها الاستعابية، من جهة أخرى اعتبر سدراتي أن تسونامي "الفضلات" التي يخلفها التجار الفوضويونعلى الأرصفة والشوارع، تتسبب في انسداد البالوعات والمجاري المائية، مما يعرقل عمل مصالح البلدية،وبالتالي يتحمل هؤلاء جزءا من مسؤولية الكوارث التي تحدث بعد ذلك.
اعتبر ضيف الشروق أن مواطني الأحياء التي يحدث فيها هذا النوع من الكوارث يتحملون هم أيضا جزءا منالمسؤولية، وحسب المتحدث فإن المواطن لا يزال لا يمتلك ثقافة نظافة المحيط، ولا يعير أي اهتمامللفضلات وحتى تلك الصغيرة كالقارورات، ويتسبب الرمي العشوائي حسبه في حدوث الكارثة.
من جهة أخرى، كشف ضيف "الشروق"، عن تفعيل عمل اللجنة الوطنية لمواجهة المخاطر الكبرى، الأسبوعالمقبل، بعد أن استفادت من مقر خاص بها بحسين داي، وستعمل اللجنة حسب المتحدث على التنسيقمع مختلف الولايات، عبر لجان وصية.
رغم مرور 14 سنة عنها
طوفان باب الوادي .. اليوم الذي لا ينساه العاصميون
بتاريخ 10 نوفمبر الجاري تكون قد مرت 14 سنة عن فيضانات باب الوادي التي راح ضحيتها ما يقارب 800شخص بين قتيل وجريح، إلى جانب تسجيل خسائر مادية معتبرة فاقت 2.5 مليار دينار، لأسباب أرجعها الكثير إلى سياسة "البريكولاج" والحلول السطحية التي أدت إلى وقوع الكارثة.
يتذكر الكثير من سكان الأحياء الشعبية لباب الوادي، على غرار تريولي، وبوفريزي، ذات يوم سبت "أسود"، مرّ عليهم بأحزانه وآلامه، مخلفا عشرات الأرواح، من سكانه وإن كان قد نسيها الكثير، إلا أن أبناء المنطقة ممن فقدوا فلذات أكبادهم وأقاربهم وجيرانهم لاتزال صور الكارثة ترتسم أمامهم، رغم مرور السنوات وتغيير وجه باب الوادي وتوسيع القنوات، إلا أن ذكرى الفاجعة يأبى قاطنو الحي الشعبي نسيانها.
قتلى وجرحى ومفقودون في "سبت أسود" بالعاصمة
الكثير من أبناء باب الوادي، رحلوا عنها قسرا بعدما تهدمت بيوتهم جراء تلك الفيضانات ومنهم من فضلوا الرحيل عنها هربا من الذكريات، بعدما فقدوا أفرادا من عائلاتهم كحال عمي حميد الذي رفض الحديث عن الموضوع، كونه مؤلم جدا ولا يستطيع العودة إلى الوراء، بعدما فقد اثنين من أفراد عائلته الذي لا يزال متأثرا بالحادث، معتبرا أنه لا يزال يعيش تحت الصدمة رغم مرور السنوات.
ويروي سمير أحد سكان بوفريزي الذي عايش أحداث الفيضانات، أن هول صور الكارثة لا تزال في ذهنه لما شاهده من صور وجثث غرقت بفعل الطوفان، قائلا:"في ذلك اليوم الأسود، لم نكن نتوقع أن تلك الأمطار المتساقطة ستتحول إلى سيول جارفة تأخذ الأخضر واليابس.. ومعلوم أن حي باب الوادي يعج بالمواطنين، رغم تردي الأحوال الجوية لما يحويه من نشاط منقطع النظير"، ويضيف: "فجأة بدأت الأمطار تتساقط بقوة وتنهمر بغزارة لم نعدها ومن دون توقف، ليبدأ فيما بعد منسوب المياه في الارتفاع، والنتيجة أن السيول بدأت تجرف كل ما وجدته أمامها من أشخاص ومركبات.."، وتابع:"لقدت شاهدت جثثا لأشخاص من مختلف الأعمار مروا من أمامي في مشهد مؤثر لم أتمكن لحد الآن من نسيانه".
وأردف قائلا "في تلك الأحيان تسربت المياه إلى داخل منازل أفراد وانهارت شقق بسبب قوة الضغط المترتبة عن انسداد تام للمجاري وقنوات الصرف الصحية، ورغم تدخل السلطات المعنية إلا أن النتيجة كانت حصيلة ثقيلة جدا، قرابة 800 ضحية بين قتيل وجريح ومفقود، إنها حقا الكارثة".. يختم محدثنا.
ورغم أن سكان البلدية يجمعون بالقول إن الكارثة طبيعية، إلا أنهم لم يغفلوا وجود عامل بشري مسببا ذلك، نتيجة سياسة "البريكولاج" وحالة اللامبالاة التي تواجد عليها تلك السنوات، خصوصا وأن المتسبب الأول لوقوع تلك الكارثة يتمثل في انسداد مجاري تصريف مياه الأمطار وقنوات الصرف الصحي، ما دفعهم إلى المطالبة بالتحقيق في خلفيات الحادثة ووضع حد للحلول الترقيعية التي خلفت كارثة إنسانية مازالت راسخة في أذهان الجزائريين والعاصميين بصفة خاصة.
نفق ضخم لتجنيب باب الوادي الطوفان!
بعد الكارثة سارعت السلطات إلى اتخاذ إجراءات وقائية بعد ترحيل العائلات المتضررة والمنكوبة والمقدر عددها بـ 1050 عائلة آنذاك إلى بلديات عين البنيان وبني مسوس ودرارية وغيرها، ليتبعها انجاز مشروع نفق"واد مكسل" الأول من نوعه، يتمثل في نفق يمتد على طول 4 كلم وقطره 4 أمتار لتجنيب العاصمة خطر الفيضانات، من خلال رصد حركة ارتفاع منسوب المياه والعمل على تسييرها، وكذا متابعة تدفق مياه الأودية وشبكات البلديات المربوطة بالنفق وفق نظام محكم، حيث أضحت قضية تطهيره من طرف عمال الديوان الوطني للتطهير أحد الأولويات، حسب مصادر مطلعة على تنظيف النفق والشبكات المربوطة به، حيث كثيرا ما عثروا على أشياء غريبة وذات أحجام كبيرة، كبقايا ثلاجات وسيارات قديمة.
وبعد 14 سنة من وقوع الكارثة شرعت السلطات المعنية في دعم البنية التحتية لتجنيب المنطقة الكارثة من خلال الشروع في تهيئة خليج الجزائر في شقه المتواجد ببلدية باب الوادي على غرار شاطئي رميلة والكتاني، ويهدف ذلك إلى وضع حد نهائي لمشكل الفيضانات بالمنطقة المعروفة بأنها المتأثر الأكبر من تساقط الأمطار، ورغم أن سكان البلدية يجمعون بالقول إن الكارثة طبيعية، إلا أنهم لم يغفلوا وجود عامل بشري مسببا ذلك، نتيجة سياسة "البريكولاج" وحالة اللامبالاة التي تواجد عليها تلك السنوات، خصوصا وأن المسبب الأول لوقوع تلك الكارثة تمثل في انسداد قنوات الصرف الصحي، حيث لا زالوا يأملون في أن تتمكن المشاريع المنجزة بالمنطقة من الحيلولة دون وقوع كوارث مشابهة.
جرفتهما سيول الوادي بعد مرورهما بالطريق
من المسؤول عن هلاك أم ورضيعتها في فيضانات بالجلفة؟
لا تزال قضية هلاك أم ورضيعتها ببلدية عين افقه شمال الجلفة محفورة في ذاكرة سكان المدينة، فالحادثة المؤلمة التي شهدتها البلدية أول مرة أدخلت السكان في دوامة كبيرة وحيرة جعلت السكان يتهمون مصالح البلدية بالتقصير.
لم يبق في السيارة التي جرفها الواد أثناء الفيضانات، والتي تسببت في هلاك رضيعة تبلغ من العمر حوالي 5أشهر سوى علبة الياغورت، كانت والدتها قد اشترتها لرضيعتها المريضة التي كانت تعالج في المستشفى، وعند طريق العودة إلى مسكنهما الريفي، بدأت زخات الأمطار تتساقط بشكل عادي، وعند وصول المركبة التي تقل الأم ورضيعتها إلى منحدر توقفت السيارة بسبب مياه الأمطار حتى جاءت المياه وجرت السيارة وما فيها ليتفطن لهم أحد سكان الريف، وقام بإخراج السيارة بالحبال لينقذ السائق وعثر على الأم جثة هامدة وبقيت الطفلة في عداد المفقودين حتى تدخلت مصالح الحماية المدنية، وبعد عملية بحث مستمرة من طرف رجال الحماية المدنية والمواطنين عثر على الرضيعة جثة على بُعد 15 كيلومترا من مكان الحادثة.
هذه الأخيرة فجرت الوضع ببلدية عين افقه، حيث خرج المواطنون للشوارع احتجاجا على ما أسموه بتقصير السلطات المحلية، لكونها السبب في وقوع الحادثة المؤلمة، كون السيارة غرقت في مكان يفترض أن يكون فيه جسر، حيث يضطر أصحاب المركبات للنزول إلى الوادي قصد المرور، وهو ما يشكل خطرا كبيرا عليهم، وطالب سكان بلدية عين افقه من السلطات المحلية ببرمجة مشاريع من شأنها حمايتهم من الفيضانات والغرق، خصوصا في الطرقات التي تعتبر خطرا كبيرا وأيضا المناطق الريفية في المنطقة المعروفة بطرقاتها الوعرة وكثرة الفيضانات بها.
سكان عين افقه يصرخون "كفاكم تلاعبا بالمشاريع يا مسؤولين"
تحوّلت انتفاضة سكان بلدية عين افقه بعد حادثة هلاك أم ورضيعتها جراء الفيضانات إلى محاكمة للسلطات المحلية وعلى رأسها المجلس البلدي، حيث وجهوا انتقادات كبيرة لهذا المجلس عقب الحادثة واتهموه بالتسبب في هذه الحادثة لكون أن المكان الذي جرفت فيه المياه سيارة الضحايا من المفترض أن يكون جسرا، متسائلين في نفس الوقت عن طريقة عبور المركبات داخل وادي وسر صمت الجهات المعنية عن هذا الطريق الخطير، وطالب سكان المدينة من الجهات المعنية بفتح تحقيق معمق حول هذا المشروع وتسليط عقوبة للمتسببين في هذه القضية التي هزت الرأي العام في المنطقة.
مطالب بمشاريع لحماية السكان من الفيضانات
تسببت الأمطار الأخيرة التي تساقطت على الجلفة في تسجيل هلاك العديد من المواطنين وحدوث خسائر كبيرة في المنازل والأراضي الفلاحية، وهو الأمر الذي دفع السكان للمطالبة بانجاز مشاريع لحمايتهم من الفيضانات، خصوصا عبر الطرقات، كون أن السيارات تعتبر أولى ضحايا الفيضانات، حيث سجلت الولاية في هذا الشأن هلاك ثلاثة مواطنين في الطرقات جراء الفيضانات، ويتعلق الأمر بالأم ورضيعتها بعين افقه، بالإضافة إلى صاحب مركبة بالطريق الرابط بين الجلفة والأغواط، وناشد السكان بضرورة إيجاد حل في أقرب وقت خصوصا ونحن على مقربة من فصل الشتاء، أين سترتفع الفيضانات بشكل كبير مقارنة بالأشهر الماضية.
نقص العقار يدفع مقاولات لإنجاز مشاريع على حوافها
101 وادي نائم يهدد سكان العاصمة
تنام عاصمة البلاد التي يفترض أن تكون جل مشاريعها مدروسة بدقة عالية، وببنية تحتية ذات أساسات مركزة، حتى لا تتأثر بالعوامل الطبيعية من كوارث وزلازل فوق العديد من الأودية، حيث أصبحت اليوم أكثر تهديدا من أي وقت مضى، بالنظر إلى الانجازات المسجلة، وتلك التي هي قيد الانجاز في أماكن يعتبرها المختصون خطيرة، مقابل نقص العقار الذي جعل بعض المشاريع لاسيما منها السكنية تقام فوق أودية نائمة قد تعود إلى مجراها من جديد في أية لحظة محملة معها الأخضر واليابس.
عاصمة البلاد التي يسميها البعض بـ"باب الوديان"، نظرا لعدد الأودية التي تضمها، أصبحت اليوم تهدد السكان والمشاريع المنجزة على حوافها وفوقها.
وحسب خبير الكوارث الطبيعية ورئيس نادي المخاطر الكبرى، البروفيسور عبد الكريم شلغوم في حديث سابق لـ"الشروق"، فإن العاصمة تضم لوحدها 101 وادي نائم، 4 منها بمقاطعة الشراڤة لوحدها بالإضافة إلى وادي الحميز، الرويسو، وادي كنيس، قريش وزواوة ووادي حيدرة.. وغيرها، وهي الأودية التي ظلت لسنوات نائمة قد تعود إلى مجراها في أية لحظة، مهددة كل ما هو على حوافها ومبني فوقها في حالة اهتزاز الأرض كذلك، معيبا وفي الوقت ذاته الجهات المعنية التي تمنح رخص البناء دون أن تنظر إلى الخطر الذي قد يؤدي إلى انهيارات، مقدما أمثلة لمشاريع سكنية تنجز حاليا بجوانب الأودية كأولاد فايت ودالي إبراهيم و700 مسكن بقاوش تبنى حسبه عمارات فخمة قد تنهار مع أول هزة أرضية نظرا لهشاشة تربة الوديان.
الوضع أصبح يتطلب إنفاق ملايير أخرى لتجسيد الحلول
"740 مليار" سنتيم لم تقض على خطر فيضانات وادي المكرة بسيدي بلعباس
كشفت الأمطار الرعدية التي تساقطت مؤخرا على مختلف مناطق ولاية سيدي بلعباس، أن الأغلفة المالية الضخمة التي صرفت للحد من مخاطر فيضانات وادي "المكرة"، التي تجاوزت 740 مليار سنتيم، لم تحل الإشكال الذي عاد ليهدد المساكن والمحاصيل الزراعية بالعديد من المناطق القريبة من مجرى الوادي.
فيضانات وادي "المكرة"، التي تسبب في مأساة لا تزال ذاكرة سكان دائرة مولاي سليسن تحتفظ بها، عندما تسببت الفيضانات في مقتل رئيس الدائرة في أربعاء أسود من شهر أفريل 2007، وجرفت السيول يومها ثلاث أخوات ونائب كتيبة للدرك الوطني، كانت من بين أول الانشغالات التي أمر رئيس الجمهورية بوضع الحلول لها، خلال الزيارة التي قادته إلى الولاية مطلع الألفية الجديدة، وتبع ذلك برمجة 7 مشاريع تطلب إتمامها غلافا ماليا يزيد عن 740 مليار سنتيم، منها أزيد من 360 مليار سنتيم خصصت لإنجاز سد الطابية.
إلا أن التقلبات المناخية الأخيرة كشفت أن كل هذه الأغلفة المالية لم تكف لحل الإشكال، بعدما غمرت مؤخرا مياه الفيضانات مساكن العديد من قاطني بلدية سيدي لحسن. كما تسببت في إتلاف محاصيل زراعية بمناطق سيدي خالد وبوخنفيس. وعادت بذلك مخاوف الأخطار التي كانت تتسبب فيها فيضانات وادي المكرة لتطرح من جديد.
رغم أن التكاليف المالية التي أنفقت للحد من مخاطر الوادي، كانت تكفي للقضاء على المشكل نهائيا، وقد تسمح بردم مجرى الوادي ككل، إلا أن عدم توفر سياسة تسيير حكيمة للمشاريع المنجزة، أصبح يتطلب اليوم إنفاق أغلفة مالية أخرى، لوضع حلول إضافية من شأنها أن تخفف من مخاطر الفيضانات.
وجاء في تصريح مدير الري لولاية سيدي بلعباس، أن خطر الفيضانات المتجدد، سببه المياه المتدفقة بمجرى وادي المكرة القادمة من وادي سكرانة من أعالي جبال القور بتلمسان، مضيفا أن النقطة السوداء سجلت على مستوى بلدية سيدي لحسن، بسبب عدم استيعاب الجسرين الواقعين بقلب المدينة، لسرعة المياه القادمة بمجرى الوادي، مؤكدا أن الحل في وضع حد للخطر، يكمن في تشييد جسرين جديدين بتكلفة مالية قدرها 15 مليار سنتيم، كما قد تتطلب أشغال توسعة مجرى الوادي بالقرب من مقر البلدية إنفاق أغلفة مالية أخرى، ليبقى بذلك خطر الفيضانات يتربص بسكان مختلف مناطق الولاية، في انتظار الحلول التي ستأتي بها البرامج المستعجلة التي كشف عنها مدير القطاع.